الديون.. دروس وعبر
لم تكن تداعيات الانهيار الكبير في خريف 2008 وحدها من أطاح باقتصاد اليونان، وهدد دول الاتحاد الأوربي وخاصة البرتغال وإسبانيا وإيطاليا، فخصوصية الوضع اليوناني لعبت دوراً رئيسياً أيضاً.
لقد غرقت اليونان بعد أن طفتْ سنوات على القروض والمساعدات الأوربية، بفعل السياسات الاقتصادية التي انتهجتها الحكومات تنفيذاً لوصايا الصناديق والمصارف الدولية، فهمّشت قطاعات الإنتاج، وحفزت القطاعات الريعية، وطغى الفساد السياسي والاقتصادي، وعانت الطبقة العاملة وأصحاب المداخيل الصغيرة والمتوسطة مصاعب معيشية دفعتها إلى التظاهر في الشوارع احتجاجاً على سياسة الإفقار التي تضمنتها الموازنات التقشفية.
بلغت ديون اليونان 313 مليار يورو، أي مايعادل 170% من الناتج المحلي الإجمالي، ورفضت حكومة تحالف (سيريزا) اليسارية شروط الشركاء المجحفة، وتوقفت عن دفع أقساط الديون المستحقة. أما الشركاء الأوربيون فقد شحذوا سكاكينهم دون رحمة، وعارضت ألمانيا التساهل مع اليونان لا لأسباب اقتصادية، بل لأسباب سياسية، خاصة بعد أن رفض اليونانيون في استفتاء شعبي الخضوع لشروط الأوربيين، التي تضمنت مزيداً من التقشف طال مكتسبات الطبقات والفئات الفقيرة والمتوسطة. فالديمقراطية التي جعلها الأوربيون شعاراً لحكوماتهم تحولت في الحالة اليونانية إلى (بعبع) هدّد مصالح الأمريكيين وشركاءهم في الدول الأوربية الكبرى.
إنه درس جديد.. وعِبر جديدة عن أهمية الحفاظ على اقتصادات الدول النامية بعيدة عن برامج الصناديق الدولية الهادفة إلى توجيه هذه السياسات باتجاه معاد لمصالح الفئات الشعبية، ويتناقض مع تحقيق التنمية الاقتصادية الاجتماعية الشاملة.
قبل بداية الأزمة السورية بلغت الديون الخارجية السورية 5,5 مليارات دولار، أي 9% من الناتج المحلي الإجمالي البالغ نحو 60 ملياراً في عام ،2009 منخفضة من 21 ملياراً عام .2000. لذلك كانت سورية في حينه من أقل الدول مديونية في العالم.
لقد تسببت الأزمة السورية، وتداعياتها السياسية والعسكرية والاقتصادية بأضرار بالغة لجميع القوى المنتجة في البلاد، وتراجعت الإيرادات العامة، وأدى التخريب الإرهابي الممنهج إلى حرق وتشويه البنية التحتية لجميع القطاعات المنتجة والمرافق العامة، وهذا ما يضع البلاد أمام تحدي إعادة الإعمار بعد نجاح المساعي السلمية لحل الأزمة السورية.
هنا..علينا دراسة العبر..والدروس المستقاة من تجارب الآخرين. ويبدو أن الأزمة اليونانية..وأزمة المكسيك في تسعينيات القرن المنصرم، جديرتان بالدراسة، إن الارتهان للصناديق الدولية والقروض المشبوهة يمهّدان للإطاحة بالقرار المستقل، وزيادة معاناة الفئات الشعبية الفقيرة، ويضع مقدرات البلاد في أيدي الدائنين الذين يخفون تحت غطاء الديون أهدافاً سياسية.
احفظوا جيداً دروس الأزمة اليونانية..