على المدى المجدي

خرقت (المرأة رقم 1) الصمت الذي سيطر على الجلسة للحظات، بعد قطع رأس نشرة الأخبار، على يدي التيار الكهربائي، قائلة:

يا جماعة أهل الخير، أنا لم أعد أفهم، كيف يقولون إن أمريكا هي التي أسست جماعة داعش وأرسلتهم إلينا. ثم يقولون إن الطائرات الأمريكية، تقصف مواقع لداعش في بلدنا؟

قبل أن تنتهي المرأة من لفظ آخر حرفٍ من سؤالها، الذي وجهته بصيغة الجمع، إلى (الرجل رقم 1)، اختطف (الرجل رقم 2) الكلام، مُجيباً:

ألا تسمعين بالذي يدخل مع أم العريس، ويخرج مع أم العروس؟

(المرأة رقم 2) تسيِّر مِنْ حادِّ نظراتها دوريات مؤللة، صوب صاحبي السؤال والجواب. تخاطبهما بلغة العيون وأسلوب التضمين وكأنها تقول:

أمريكا فقط تفعل ذلك؟!

(الرجل رقم 3) رادّاً على الرجل رقم ،2 ومُشيراً إلى (الرجل رقم 1):

أولاً -القصة ليست الدخول مع أم فلان، والخروج مع أم علتان. ثانياً السؤال وجهتهُ (المرأة رقم 1) إلى الأستاذ، لا إلى جناب حضرتكم!

(المرأة رقم 3) تشنُّ غارتها على مواقع الحديث، بعد أن تمهِّد لها، بإطلاق هزتين من صدرها،  إذ تقول :

أنا لا أرى أن زميلنا ( الرجل رقم 2)، قد كفر لا سمح الله، أو ارتكب معصية، حين أجاب عن السؤال. (ثم تحول نظرها عن (الرجل رقم 2)، ملتفتة إلى (المرأة رقم 1)، لتكمل):

أم أن الأستاذ تحديداً هو المطلوب، يعني على قول المثل: ( من تِمّك أحلى يا كحله)؟

(الرجل رقم 3)، يقتطع من منطقة السؤال، مساحة (جماعة أهل الخير) فقط، آخذاً الإجابة صوب المياه الإقليمية لاختصاصه وهدفه. ومُحتجزاً الجلسة بقوة ذاكرته وشطارة لسانه. اللذين أطلقا العنان لحصانيهما، ليقطعا تاريخ علاقة الفرد بالجماعة، منذ بدء تكوُّن الجماعات، الرعوية منها ،فالزراعية ،فالاقتصادية ،فالسياسية. وتكوُّن العشيرة والقبيلة، ثم  تشكُّل الدولة، مروراً بالجماعات الأدبية والفنية، وصولاً لجماعة الإخوان المسلمين والقاعدة وداعش وأخوتها وأخواتها.

وذلك من دون أن ينسى التعليق، على حقوق الفرد وواجباته في العلاقة الجدلية ،التي تربط بينه وبين الجماعة أو الدولة. أما الأستاذ أو (الرجل رقم 1)، فقد بقي طوال الجلسة صامتاً، رهين المحبسين: إيحاء عيني السائلة (المرأة رقم 1) وتداعي خيالها.

 

ملاحظة:

جاء استخدام الفصحى في حوار الشخصيات، واعتماد الأرقام، بدلاً من الأسماء. بهدف قطع دابر نسبة المتكلم/ة إلى منطقة بذاتها من قطرنا، أو إرجاع الاسم لشخص بعينه، ليس غير.

العدد 1140 - 22/01/2025