إيقاع حكومي خارج المقطوعة

تقاسيم السنوات الأربع الماضية وإيقاعاتها المختلفة جعلت موازين مجتمع كامل تنقلب عكساً لتتغير مفاهيم كثيرة استباحت الأحمر وسكبت الأخضر، فأشعلت حرباً باردة خفية اتخذت من الواقع الاجتماعي مسرحاً لها وجعلت من الواقع الخدمي معتقلاً في زنازين قراراتها و بين قضبان تصريحاتها المتناقضة .

خمس سنوات مرّت وأبو سليم مازال يمارس مهنته الصباحية ببيع القهوة على دراجته الهوائية مقاوماً قذائف الهاون ونيران حرب القرارات التي جعلت بؤسه يزداد، ولكنه مازال يكافح من أجل عائلته ليعيش بكرامة، ولم يبخل  على وطنه بأبنائه الذين علّمهم معنى الكفاح والنضال ودّرسهم، فخطفت الحرب أحدهم، لكنه لم يستسلم حتى صباح هذا اليوم مازال يتصفح الجريدة ويبيع قهوته الممتزجة بالمحبة والمعشقة بالكرامة وبابتسامة شفاهه التي تمنح المارة التفاؤل بنهارهم. أما زميل حارته الذي غدا مسؤولاً في أروقة الحكومة، فقد هجر تلك الحارة البسيطة ليسكن في قصر بناه بعد أن استبدل خطوطه الحمراء لوناً أخضر .

حرب التصريحات وتخبّط القرارات الحكومية التي جعلت من السوق فوضى والأسعار دون ضوابط  ولا رقابة زادت من بؤس المواطن السوري الذي بات ينتظر فرج شائعات التغيير، لعل واقعه الخدمي والمجتمعي يتحسن بقرارات تناسبه بعد أن فقد كل أمل بالواقع الحالي المعاش ، فرمضان الخامس يكاد ينقضي وتحكّم تجار السوداء بالسوق يلف حبل المشنقة حول رقاب المواطنين الذين أصبح الكثير منهم في عداد المخنوقين والموتى. تصريحات حكومية نارية خارقة حارقة بأن الأسعار تناسب الجميع وبأنها تسجل انخفاضاً كبيراً ميز رمضان الخامس عن إخوته الأربعة الماضين، ولكن الواقع يخالف تلك التصريحات والثوم يصرخ قائلاً سعر الكيلو مني اليوم تجاوز 1000 ليرة، ولا يختلف الثوم عن غيره من الحاجات الضرورية للمواطن السوري، وحماية المستهلك مصرة على أن الأسعار تنخفض على لسان وزيرها الذي صرح عدة مرات قائلاً : (أن رمضان هذا العام يحل ولأول مرة لم تشهد أسعار المنتجات والسلع أي ارتفاعات كالتي كانت تحصل سابقاً). وأوضح أيضاً (أنه لوحظ انخفاض في أسعار البعض من السلع خلال رمضان قياساً مع الفترة التي سبقته، والوزارة ماضية في تأمين شتى أنواع السلع والاحتياجات المعيشية الأساسية للمواطنين وبأسعار مقبولة).

أما واقع السوق الذي رصدته جريدة (النور) بجولة جديدة  فيقول معلقاً : بأن الأسعار تشهد ارتفاعاً يومياً فأسعار الزيوت و السمون ارتفعت في الفترة الأخيرة 50 ليرة سورية وأكثر لليتر الزيت و75 ليرة سورية لكيلو السمنة، أما السكر، بعد أن رفعت الحكومة سعره في المؤسسات الاستهلاكية إلى 130 ليرة سورية بدل 100ليرة أي بزيادة 30 ليرة، فلم يعد له مكان في أروقة المؤسسات الاستهلاكية وأصبح سعره في السوق بين 175 ليرة و185 ليرة سورية حسب ذمة البائع أو التاجر. أما أسعار مواد التنظيفات فقد شهدت ارتفاعاً في الفترة الأخيرة وصل إلى ما يقارب 100 ليرة سورية على الظرف وزنه 2 كغ. ولم يتوقف ارتفاع الأسعار عند المواد الأساسية للأسرة السورية، بل شهد سوق شهر رمضان تسجيل ارتفاع جديد للأسعار وخاصة اللحوم والفروج، فقد ارتفعت أسعار الفروج خلال الأسبوع الماضي وهذا الأسبوع ارتفاعا حاداً وبسؤالنا لمحلات بيع الفروج قال لنا أصحابها بأن سعر الفروج ارتفع منذ الأول شهر رمضان وهو في ارتفاع مستمر، إذ وصل سعر كيلو الفخذ في أسواق العاصمة دمشق إلى 700 ليرة سورية والشرحات،  تجاوز سعر الكيلو منها 1100 ليرة سورية. أما في أسواق الساحل السوري فوصل سعر كيلو الفخذ إلى ما بين 600 و 650 ليرة سورية، أما الشرحات فتراوح سعرها بين 1000 و 1200 ليرة سورية والجوانح بين 625 و 700 ليرة سورية. ولم يكن الحال أفضل بالنسبة للحوم، فقد شهدت ارتفاعاً أيضاً، فوصل سعر كيلو لحم العجل الهبرة إلى 2400 ليرة سورية ، كما ازدادت حالات الغش أكثر، ينقع بعض الباعة الفروج بالماء لساعات ثم يبيعونه للزبون، وكذلك اللحوم تغشّ بلحم الجاموس المجمد والمستورد من الخارج. أما بالنسبة للخضار فبعد أن شهد بعضها انخفاضاً قليلاً عادت لترتفع من جديد مرة أخرى، فمثلاً البطاطا بعد أن وصل سعر الكيلو غرام إلى 50 ليرة سورية، عادت لترتفع إلى 90 ليرة سورية، وكذلك البندورة فقد ارتفعت خلال الأيام الماضية إلى 65 ليرة سورية. وبالنسبة للفواكه سجلت أسعاراً مرتفعة هذا العام مقارنة بالعام الماضي، فمثلاً البطيخ الأصفر سجل سعر 125 ليرة سورية للكيلو، والبطيخ الأحمر تراوح سعر الكيلو بين 60 و75 ليرة سورية، والكرز 600 ليرة سورية، أما الليمون الحامض فقد سجل أرقاماً قياسية بارتفاع سعره ليتراوح سعر الكيلو بين 200 و 275 ليرة سورية  أما المشمش فتراوح سعر الكيلو بين 200 و300 ليرة سورية، والخوخ تراوح سعر الكيلو بين 125 و 200 ليرة سورية ،  وقد توجهت جريدة (النور) بسؤالها للباعة في الأسواق عن حركة الناس والمشتريات فقالوا بأن حركة الشراء خفيفة في رمضان هذا العام والإقبال ضعيف مقارنة مع الشهور الماضية، وقد تركز شراء المواطنين على الحاجيات الأساسية وبكميات خفيفة من الخضار، أما بالنسبة للفواكه مع التنوع والعرض الموجود فالإقبال جداً ضعيف لمثل هذه الفترة من السنة، إذاً حسب قول الباعة العرض موجود لكن الطلب خفيف. وبتوجيه سؤالنا للمواطنين حول أسعار السوق ومتطلباتهم اليومية قالت لنا السيدة ميساء بأن السوق يغلي والأسعار تكوي مما أجبر المواطنين على الاستغناء  عن كثير من متطلباتهم واكتفوا بالضروري فقظ.

أما السيدة رفقة السيد فقد قالت: لم نعد نعلم إن كنا حقاً نعيش حقنا كمواطنين وهل وضع التسعيرة طبيعي؟ فأنا موظفة وراتبي لا يكفي حتى 10 الشهر مع أني ألغيت الكثير من حاجياتي الشهرية.

وكان لأحمد رأي آخر إذ قال بأن التسعير ليس خاضعاً لرقابة الوزارة أبداً ومن يتحكم بالتسعير هم التجار الذين لا حسيب ولا رقيب حكومياً عليهم، فالأسعار ترتفع بشكل جنوني مع ارتفاع الدولار ولا تنخفض بانخفاض سعر الصرف، بل تزيد عندما يرتفع مرة أخرى، وبات صاحب البسطة يحسب لك السعر على الدولار!

 أما السيدة كاتيا فقد قالت: بتنا نعيش تقنيناً في كل شيء حتى في طعامنا وحاجياتنا ولا تعليق على ما يحدث من استغلال بحق المواطن السوري، فالواقع يتكلم ما يحدث عيب وخاصة ما يصرحون به بأن الأسعار تنخفض.

هذا واقع الأسعار السورية وآراء بعض المواطنين السوريين الذين يعيشون حالة بؤس مكتفين بالضروري ومستغنين عن باقي الحاجيات، فالفواكه لم تعد كسابق عهدها تزين موائد السوريين ولا الحلويات وكان قد صرح سابقاً رئيس جمعية حماية المستهلك عدنان دخاخني بأن معدل إنفاق الأسرة السورية المكونة من 5 أشخاص خلال شهر رمضان قرابة 2500 ليرة يومياً على الأقل لتأمين لوازم الإفطار ومستلزمات الغذاء والشراب .وإن الأسرة السورية تحتاج إلى أكثر من 100 ألف ليرة سورية، لتأمين جميع متطلباتها واحتياجاتها ونفقاتها.

وبسؤالنا للدكتور سنان علي ديب رئيس فرع جمعية العلوم الاقتصادية في اللاذقية حول ارتفاع الأسعار قال: لو أرادت الحكومة التحكم بالأسعار كان يجب عليها أن تفرض التسعير الإداري المتدحرج مع متابعة تموينية حقيقية مما لا يمكّن تجار الأزمة من التلاعب بلقمة المواطن السوري، ولا يوجد مواطن إلا وتأثرت لقمته بهذا التلاعب، وعندما تريد مؤسسات التدخل الايجابي التدخل في السوق عليها أن تستورد بأسعار حقيقية لكن استيرادها عن طريق تجار محتكرين للمواد فلا تستطيع التحكم بالتسعير لأن التجار المحتكرين  هم من يفرضون التسعيرة كما يريدون .

إيقاعات مختلفة  للسوق السورية وأسعار موادها الأساسية في ارتفاع، والمواطن يتأمل واقعه بعيون أبو سليم الذي ختم تصفّح جريدته باقتراح لمروان دباس رئيس اتحاد الحرفيين في سورية حول رغيفه ولقمة عيش أسرته وأبناء بلده مندهشاً محتاراً بما سيعلق على هذا الاقتراح الذي يقول به دباس بأن يحل محل الخبز الحالي، الذي يصنع في الأفران الحكومية (خبز نخالة)، مع رفع سعر ربطة الخبز إلى خمسين ليرة، إضافة إلى تصغير الرغيف.

أغلق الجريدة مطلقاً تنهيدة تخفي بين زفراتها ألمه وألم كل مواطن سوري متسائلاً في صمت عما إذا كان مواطناً له الحق في الحياة الكريمة أم أنه دمية تتقاذفها التصريحات والقرارات الحكومية التي باتت تغرد خارج السرب وخرجت بإيقاع خارج عن مقطوعة الوطن والمواطن.

العدد 1140 - 22/01/2025