حديث الساعة

تتكرر أحاديث الناس قبل الظهيرة وبعدها ويمكن أن ينجز بعضها قبل غياب الشمس، في تجاذبات متشابهات وتناقضات إلى حدّ الصراخ وتقاربات واقعية، غير ممسوسة بالاتهامات أو اللعنات على هذا الزمن الذي يوصف ب (الزمن الأعجف).

يأخذ حديث الناس مساحة زمنية غير محددة، يتناقلون الوصفات السحرية دون رقيب، ويقولون (إننا نحكّم رقابة ضمائرنا)، وقد تحققت طموحاتنا وأحلامنا الوردية في حرية  التعبير، ففي صُبْحيات الجارات وحول البارات من المغرمين بالمشروبات، ومن محبذي الأراكيل بالمعسّل، والأرز المغلّف بأكياس النايلون حسب الأصول والمحفوظ بعلب كرتونية، من المعونات الوطنية والأممية المعطّر بالسمنة البلدية، وشاي الرصيف المحلَّى بمكعبات السكر، فيستطيل الحديث ويتمدد من حرارة الكلام ولهيب المشاعر في حدائق النسيان، ويدور البيكار ليرسم أشكالاً هندسية وزخارف فسيفسائية.. ولا يوجد من يقدم النُّصح والإرشاد لتجليس سكة الكلام. وهناك كما يروّجون من يرشّ البهارات غير المسمومة على الحكايات والقصص المنقولة في دروب وشعاب الأيام الفائضة دون أي حساب في الدنيا والآخرة..!

حديث الساعة، وفي كل ساعة يفيض من أفواه النساء والرجال، ولن يقدر أحد من هؤلاء الذين يحصدون سنابل الأخبار وأشواك البؤس والفقر في النهار، ويجمعون الأغمار في بيادر القلوب بحراسة الأفكار والأحلام، أن يحفظوا حرفاً واحداً أو كلمة واحدة في الحَلْق أو تحت اللسان..!

لقد جاءت البشائر من الصومال مختبئة بين عناقيد الموز المحسوب بالدولار.. ولا أحد يصدّق أن الموزة الواحدة بمئة وخمسين ليرة وسعر الكيلو من 800 إلى 1000 ليرة… كثيرون من متوسطي الدخل وأنصاف الميسورين، ومن فقراء الوطن والمهجرين والعاملين في مؤسسات الحكومة من الدرجة الأولى أيضاً – دون مبالغة – وصدّقوا أو لا تصدقوا وأنتم أحرار –  ما نقله لي أكثر من عشرة آلاف مواطن لا يعمل أحد منهم في السحر ولا يعرف التنجيم أو التبصير بالفنجان والودع.. قالوا لي: إنهم زينوا جدران الغرف المخصصة للأطفال لمن يملك إمكانيات التخصيص السكني لأطفاله، صور الموز الصومالي والتفاح الجبلي وعلب الحليب والحفَّاضات والألبسة  من أحسن الموديلات وأرقى الماركات.. وبذلك..! ورأفة بأحلام الأطفال والاطمئنان ولسلامة اللسان وقطع خيوط النميمة وتجنيب الأولاد الحسد والغيرة، جهّزوا هذه المعارض  من جميع الأنواع والألوان والأشكال، ولم يعد الأطفال يفكرون بالمستقبل الذي يبدو أنه أصبح  أكثر وضوحاً من الحاضر وتباشيره تظل راسخة في الأذهان..!

في الحقيقة، ليس رغبة بفلسفة الكلام أو الطعن من الخلف بصغير أو كبير من  المثقفين والكتاب والصحفيين والإعلاميين، أو من الأميينّ والمرشدين الاجتماعيين والنفسيين بهذه الأقوال والأخبار المحسوسة والملموسة، الموجودة في الأسواق وعلى الأرصفة والدكاكين والبسطات، بل التأكيد مئة في المئة أن المواطن غدا سلعة رخيصة جداً لا قيمة مادية أو معنوية له.. ف (هرشو ومرشو والباص الأحمر والأزرق والسرافيس وسيارات الأجرة الصفراء المصابة باليرقان) مدمنون على الشفط والنهب وهم يعملون تحت شعار (غلاء المازوت)، ويشتمون نهاراً وليلاً قبل شروق الشمس وبعد غروبها، تجار السوق السوداء والسماسرة والمستغلين وثاقبي جيوب المواطنين وسارقي قوت الأطفال..!

وآخر الأحاديث التي قفزت فوق الأسعار المجنونة والاكتفاء بالمعونة، أن المواطن يراقب ارتفاع الدولار أيضاً، وعدوان (أصحاب السمو) على اليمن الشقيق والنشرة الجوية،  فينسون ما يفكرون به من هموم ويهتمون بالآخرين.. لكنهم لن يناموا قبل أن يطمئنوا على الوطن وعلى جيشنا الباسل الذي يحمي تراب سورية وحدودها..!

العدد 1140 - 22/01/2025