كيف تصبح مشهوراً؟!

يُقال إن المحظوظ في الدنيا، إذا رميته في البحر خرج وفي فمه سمكة.

والحظ مثل الينابيع والبراكين والزلازل، لا أحد يعرف متى ستخرج، ومن المستفيد من خروجها.

والنوايا الطيبة قد تجلب أحياناً حظوظاً طيبة، إنما ليس كل مَن كانت نواياه سليمة سلم من أصحاب النوايا السامة.

وليس كل من تمنى، نال ما تمناه، ولا كل من غنى وصل صوته وانتشر صداه، فما أكثر الذين تظلمهم الحياة، وهم الأكثر أهلاً لأن يعيشوها، وما أقل الذين تمنحهم كل شيء، من مال وثروة وقصور وجاه.. وهم ليسوا أهلاً لتلك المنح والعطايا.

ومهما كانت نوايا الإنسان سليمة، فلا بد من أن يرافقها عمل صالح وأهداف نبيلة، فالجاهل البخيل يعمل وفي نيته الضرر والأذى، والعاقل الحكيم يعمل دون أن ينتظر مكافأة وأجراً على أعماله الصالحة.

يحكى أن البرق أصاب أحد رعاة الغنم المساكين، فحرق وجهه، وترك في جبهته ندبة.

وكان ذاك الراعي من المحظوظين، إذ عاد سالماً إلى  القرية، وما إن وصل حتى أُسعف إلى المشفى ليخرج بعد عدة أيام سالماً، معافى.

إنما الغريب، في الأمر أن تلك الحادثة الأليمة، وذاك البرق الحارق، قد تركا بصمة لا تمحى في حياته، فقد خلّف البرق وشماً في جبهة الراعي يضيء بلون أخضر كلما حل الظلام، وكلما كانت العتمة أشد ازداد لمعان الوشم وبريقه.

وحدث أن زار أحد المخرجين السينمائيين تلك القرية، ولاحظ عند المساء شيئاً يلمع على جبهة أحد القادمين من بعيد، وحين سأل أخبره أهل القرية القصة، فأُعجب المخرج بتلك الحكاية، وقرّر صناعة فيلم سينمائي عن ذاك الراعي البسيط. حقق الفيلم نجاحاً كبيراً، وأصبح الراعي حديث الناس، وانقلبت القرية قبلة للباحثين عن الشهرة والمجد والخلود.

ما أعظم الفن!

كيف يحوّل الأشياء العادية إلى أشياء غير عادية أبداً.

تشجع الكثير من الرجال، وحتى بعض النساء الثريات، لمقابلة العواصف وتحدي البرق والصواعق وشهب السماء، لعلّعم يصيبون شهرة كالتي أصابت ذاك الراعي الفقير.

في الشتاء، كان البرق يحدث في كل ليلة تقريباً في سهول تلك القرية النائية وهضابها، لكنه كان يتجاوز جميع المنتظرين ليضرب الوحل والصخور، ومن كان يصيبه البرق كان يحوّله إلى فحمة سوداء.

وبالرغم من كل ذلك، ظل بعض الناس المغامرين يخاطرون بحياتهم فيصعدون تلك الهضاب والجبال القريبة من تلك القرية، باحثين عن الشهب والبرق والصواعق، لعلها تصيب جباههم وتترك ندوباً خضراء تضيء عتمة الليل دون أن تحولهم إلى قطع من اللحم المحترق، لعل ذلك يحدث لأحدهم، لعل، لكن هيهات ذلك، هيهات أن يحدث لهم ما حدث لذاك الراعي، فالمعجزات لا تحصل إلا نادراً، ولأفراد قلة محظوظين.

العدد 1140 - 22/01/2025