بشارة اليمن الحزين
ذات ربيع يماني غير سعيد، برقت في كبد السماء بارقة خطف وميضها الأبصار، تلاها دوي انفجار عظيم رددت الجبال والأودية صداه، وانفطرت السماء عن جحيم انهال على الأرض حمماً لا تبقي ولا تذر.. وجلت قلوب أحفاد بلقيس من هول الواقعة.. حوقلوا.. استرجعوا.. تعوذوا.. تنادوا: ما كان ذاك؟ ما كان ذاك!! قال قائل منهم: صواعق تهوي من السماء، ردّ آخر:أصواعق بغير غمام ؟! أجاب ثالث: إن هي إلا أفعال الجان!! عقّب رابع مصدّقاً: لعمري قد لمحت بالأمس طيراً يجوب الفضاء ما أحسبه إلا هدهداً يستطلع الديار! جزم حكيمهم: هو ذاك إذاً.. إنه غضب قوم سليمان، ألمّ بنا لأمر بلغهم عنا نحن منه براء.. فهلمّوا نعاجلهم بمن يدحض مقالة الوشاة بنا، يذكرهم بطول حسن جوارنا، يجدد قديم عهدنا، يسألهم حفظ رحم بلقيسنا.
وانطلق الرسول يطوي الآفاق والبلدان نحو بلاد كنعان، وسرعان ما عاد بالنبأ اليقين: يا قوم.. ما ظفرت بقوم سليمان، وما وقعت على أثر لمملكة ذاك الزمان.. لاهيكل ولا عرش ولا صولجان، فدعكم من حديث الطير والجان وهلمّوا أنبئكم بنبأ جلل سارت به الركبان، تشيب له الولدان: قد حُدّثت عن بلاد تجري من تحتها أنهار الزيت والقطران، يسكنها قوم طغام ينكرون المعروف ويأتون المنكر، يحدّون الفقير ويتركون الأمير ويتداوون ببول البعير، يعقرون النوق ويسبكون العجول ويرعون الخنازير، يطوفون بصنم لهم يدعونه (سام)، يتقربون إليه بسفك دم ذوي القربى واليتامى وأبناء السبيل، يزعمون أن روحه قد تجلّت لسيدهم وألقت في روعه نبوءة ما نالها يوماً إنس ولا جان: لا يمن ولا عمان، لامصر ولا تطوان، لا شآم ولا بغدان، لا فرعون مصر ولا هامان.. لا قيصر روما ولا كسرى أنو شروان.. لا غسان ولا عدنان .. . وحدك يا (سلمان)ملك البلدان وسيد الزمان، وهاك جنوداً من إنس أشد بأساً من الجان وطيوراً تلقي ناراً.. لا كتباً باسم الرحمن، وهاك عاصفة سمّها حزماً أو أملاً أو ما شئت من عنوان ودونك الأقربون الأدنى فالأدنى أمعن فيهم ذبحاً وقتلاً وتنكيلاً، لك خيراتهم من لبن وبنّ.. وقات، ودع لي فقط.. الدماء.
يا قوم.. هذا بعض مما بلغني من خبر القوم الجيران، وأنتم وما ترون.
أطرق الملأ برهةً، ثم قام حكيمهم فقال: يا قوم.. قد سمعتم مقالة رسولكم وما أحسبكم إلا قد فطنتم بموضع ثأركم، جاهل آخر يستصغر شأنكم وينفس عليكم (مأربكم) و(عدنكم) و(حضرموتكم).. قضاء الله ليس عنه محيد، فانظروا ما أنتم فاعلون.
وبينما القوم في شأنهم يتداولون، إذ هتف بهم هاتف من قِبل جبل النبي شعيب:
يا أبناء بلقيس وتبّع وحِميَر ومعَين.. هونوا عليكم.. عاجلاً لا آجلاً سيكفيكم الله شرّ الدعيّ ابن الدعيّ ورهطه المفسدين.. فحسبكم الله ونعم الوكيل.