نعم.. نعم.. إنها الحرب أطفال اليوم حُرموا من الطفولة!
ويدور الصراع على الأدوار.. من سيهجم على من؟ من سيَخطِف؟ من سَيُخطَف؟ من سيمتلك السلاح الأكبر؟ ومن سيموت في النهاية؟!
هو مشهد لا أظنه غريباً عن أي شخص يرى أطفالاً سوريين يلعبون حوله، وهو تجسيد لشيء بسيط مما فعلته الحرب بهم، فلم يعد الأطفال قادرين على الخروج من دائرة الحرب والصراع حتى في ألعابهم.
لم تعد تفرحهم ألعابنا القديمة ذات الطابع البسيط البريء، فاستبدلوا بها ألعاباً تنسجم مع ما يرونه ويسمعونه ويعيشونه كل يوم.
حل محلّ الكرة والمضرب والعرائس مسدس أو قنبلة بلاستيكية..
وحل محل أغانيهم الجميلة هتافات تأييد أو هتافات معارضة.. وأصبحت أصوات الرصاص والتفجيرات جزءاً أساسياً في أيامهم.. واختلطت معايير الخير والشر في عقولهم، فهم يرون القتل والخطف والنهب والسرقة أمام أعينهم يومياً، فأصبحوا غير قادرين على التمييز بين الخطأ والصواب.
نحن اليوم أمام كارثة إنسانية كبيرة تهدد الجيل الذي سنعتمد عليه في بناء سورية ما بعد الحرب.
أطفال اليوم حُرموا من الطفولة البريئة وكبروا قبل أوانهم، وحُمّلوا مسؤوليات قد يصعب على الكبار تحملها في بعض الأحيان، فبسبب مأساة النزوح وغلاء المعيشة الذي فاق قدرة الفئات الفقيرة على تحمله.. تضطر نسبة كبيرة من الأطفال للعمل خارج المنزل أجراء لدى أصحاب المهن وغالباً بأجر زهيد لا يتناسب مع أوقات عملهم الطويلة ودون أي تأمين صحي أو ضمان في حال تعرض الطفل لأي إصابة عمل، وبعملهم هذا وقفوا أمام خيارين أحلاهما مر.. فإما ترك المدرسة نهائياً وإما الجمع بين العمل والدراسة، وبالتالي سيصبح مستقبلهم العلمي في مهب الريح، أو بدفع من الأهل ذوي النفوس المريضة باعتبار التسول وسيلة سهلة لجمع قوت يومهم، وبالتالي يتعود الطفل على استمالة الناس واللعب على عواطفهم ويعيش معظم حياته في هذه الدوامة.
في المناطق التي يحتدم فيها النزاع يجبر الأطفال على أخذ موقع في هذا الصراع المباشر، فيحملون السلاح ويجبرون على المواجهة، وهنا تزول العقلية البريئة نهائياً، لتزرع مكانها عقلية تتلذذ بالدم والقتل، ويصبح الحنان والرأفة مجرد مشاعر.
إن معاناة الأطفال لا تقتصر على العمل والتسول والانخراط في النزاع المباشر، بل هناك مشكلة كبيرة تواجه الفتيات تحديداً، هي مسألة تزويج القاصرات، إذ تقوم أسرهن بتزويجهن وهن بأعمار صغيرة، لضعاف النفوس ممن يمتلكون الأموال، ويلعب دوراً هنا فقرُ الأسرة من جهة والموروث الاجتماعي البالي من جهة أخرى.. وغالباً ما تجبر الفتيات على الإنجاب بسن صغيرة فتقع بأزمة مضاعفة، وتضطر الطفلة لتربية طفلة أخرى وتكبر المأساة.
إن أطفال سورية يقعون ضحية الحرب والفقر والجهل، وعلينا إيجاد الحلول السريعة لتفادي آثار هذه الكارثة قبل فوات الأوان.
هناك مجموعة من الإجراءات المساعدة في هذا المجال، ونؤكد دور الحكومة الأساسي عن طريق تنشيط دور وزارة الشؤون الاجتماعية ورفدها بأكبر عدد من الكوادر المختصة بمجال علم النفس الإرشادي وأساليب التواصل وغيرها من الاختصاصات اللازمة لتسهيل التعامل مع الأطفال، وإقامة دورات تدريبية لأكبر عدد من الأفراد، وتوجيه النشاطات العملية باتجاه مراكز الإيواء وأماكن وجود المهجرين من أجل تخفيف الآثار النفسية السلبية للحرب على الأطفال، وتحفيزهم للمشاركة بشكل إيجابي في المجتمع.
كما أن لوزارة التربية والتعليم دوراً هاماً وكبيراً من خلال تنمية مواهب الأطفال وقدراتهم وتحفيز الروح الإبداعية لديهم، واكتشاف ميولهم، فحصص الرياضة والرسم والموسيقا يجب أن تحظى باهتمام أكبر، وأن يكون دورها أساسياً لا ثانوياً كما هو الواقع للأسف.. لأن الرياضة والموسيقا والفنون تهذب النفس الإنسانية وتملؤها جمالاً وحباً للحياة والعطاء.
كما يجب على الحكومة أن تمد يد العون لكل الأحزاب والتنظيمات الشبابية والجمعيات الراغبة بالعمل والمساعدة وتقديم التسهيلات لها.. وإقامة ندوات وورش عمل لأهالي الأطفال، لشرح مخاطر الواقع الراهن الذي يحيط بالأطفال وإرشادهم إلى دورهم الأساسي في حماية أطفالهم وتوجيههم بالاتجاه الصحيح.
كما أن البرامج التلفزيونية الإرشادية سيكون لها دور كبير في هذا المجال، ومن واجب كل فرد فينا أن يعتبر هذه القضية جزءاً من نضاله اليومي، والعمل مع كل طفل نشاهده لدمجه بشكل طبيعي في المجتمع وإعادة بسمته وبراءته. كما نطالب الحكومة هنا بدعم الفئات الفقيرة بكل الوسائل، سواء تعلق الأمر بتوفير مستلزماتها المعيشية أو رفع أجورها كي تستطيع الحفاظ على أطفالها وبناتها.
أطفال سورية الحضارة.. الحب.. العطاء.. يستحقون أياماً أفضل.. فلنعمل معاً لأجلهم!