الغرور
ليس عيباً أن تكون مغروراً ولكن إلى حدود معيَّنة.. العيب هو أن يرفع المغرور أنفه إلى وسط جبينه، وأن يبدّل بياض عينيه بالسواد، وأن يوسّع دائرة ابتسامته حتى تغطّي نصف وجهه..!
إذا كانت الثقة بالنفس أو (الاعتداد بالنفس) تعني الغرور، فهذا يؤكد أن هذا الشخص يحقق النجاح تلو النجاح.. وهو رجل المهمات الصعبة، القادر على تجاوز المواقف الحرجة، ويملك عناصر الحكمة والصبر، وعدم التسرّع في اتخاذ المواقف التي تنعكس سلباً على حياته.
عندما سأل برناردشو سيدة فرنسية مغرورة عن رأيها في لندن فقالت: إنها مدينة بديعة وليس فيها ما يضايق سوى أن أظافري تتّسخ بسرعة، ضحك شو وهو يقول: يظهر أنك تهرشين جلدك كثيراً..!
كثيرون من المغرورين إلى حدود جنون العظمة والثقة المفرّغة من مضمونها، مع اقتراب انتخابات مجلس اتحاد الكتاب في أواسط تشرين الأول، ينشرون الأخبار النارية التي برأيهم ستشعل الحرائق في النفوس، ويهرشون أدمغتهم وينبشون من ذاكراتهم حقداً مخبَّأ يسيل على رؤوسهم من مادة تشبه القطران.. السؤال: لماذا هذا الغرور؟ وعلى أية أساسات بنيت مداميكه؟ علماً أن ألبومهم يزدحم بالصور الكاريكاتورية التي أصبحت حديثاً يومياً متداولاً..
الفرق شاسع كالبحر الأبيض المتوسط بين الثقة بالنفس والغرور.. وإذا كانت شواطئ بحر من يثق بنفسه من صخور صلبة، فالمغرور كزبد الأمواج بعد أن ترتطم بالصخور تتلاشى مع هبّة النسائم ولم يعد لها أثر أبداً..!
معادلة صعبة من طرفين متناقضين.. الفرق بينهما، أن الثقة بالنفس تعبّر عن توافر الإمكانات عند هذا الصبي أو الشخص المغرور.. أما الغرور بذاته فهو إساءة لهذه الثقة.. ومن جهة ثانية فالغرور هو نقيض التواضع ويعني وجود النقص في شخصية المغرور.
إن حبل الغرور قصير.. وإن الشخص (المجرثم) بهذا المرض سيصاب حتماً بعد عقد أوعقدين من الزمن بانفصام الشخصية أو بزهايمر النسيان، وعدم القدرة على التمييز بين الألوان.. وهذا يختلف عن الاعتزاز بالنفس والحفاظ على الكرامة وعدم اتخاذ المواقف الرخيصة التي تؤدي بصاحبها إلى بوس اللحى وربما… من أجل الوصول إلى (توحيمة) مذلّة يمارس صاحبها رياضة الانحناء.. والأمثلة كثيرة لا تعد ولا يمكن إحصاؤها في زمن (القوي يأكل الضعيف) و(ومن له (ظهر) أو سند يشق طريقه ويرفس من يقف عائقاً بوجهه..!).
أعرف كثيرين ممن رسموا طريق حياتهم بالنميمة و(شوفة الحال)، وحملوا مباخرهم وقلدوا طقوس الآخرين.. ونفثوا من زفير رئاتهم (مآثر سوداء)، ومن ذاكراتهم أخرجوا بقايا نفايات ملوثة بالكراهية والفساد الروحي والمادي.. هؤلاء سيجتازهم الزمن فهم من فقدَ ثقته بنفسه.. ولن يبقى غير ما هو ثمين من الكلام والأخلاق والعلاقة الجيدة مع الآخرين..!
ولن يجني الثمرة إلاَّ من استطاع هز الشجرة.. وإذا أراد واثق من نفسه أن يستمر في هذا الطريق، فعليه أن يشغل قلبه بحب الناس.. أما الرجل المصاب بالغرور فعليه أن يشغل عقله بتدبير المقالب حتى لأقرب الناس إليه..!