رحـلة إلى نبع النقود

 بينما نجلس وراء مكاتبنا نكشّ الذباب، دخلت زميلتنا المغامرة لتقترح بحماس أن تأخذنا في رحلة ممتعة لكي لا نصاب بالملل، سألناها: هل سنقصد الزبداني أم نبع الفيجة؟ فردّت بأننا سنذهب إلى (نبع المصاري)، مؤكدة أن الرحالة والمسافرين قد أخبروها عن وجود صراف نقود صاغ سليم وابن عالم وناس… وأين يوجد هذا الآدمي؟ سألناها، فقالت إنه اعتماداً على خريطة جوجل، فهو يقع على طريق دمشق درعا، يعني رمية حجر، والحقيقة أننا تحمسنا للفكرة، إلا أن زميلتنا المحجبة قالت إنها في هذه الحالة قد تحتاج إلى محرم لمرافقتها في هذه السفرة، فأكدنا لها أنها لن تعجز عن إيجاد فتوى تحل لها هذا الإشكال، وهكذا انطلق الركب السعيد مستبشراً بيوم القبض كأنه عيد، ولم ننسَ أن نشتري نصف كيلو بزر وبعض زجاجات العصير الباردة لزوم الرحلة، وفكرنا بأن نأخذ تكسي لكن عددنا كان كبيراً،إضافة إلى أننا خفنا من أن تصيبنا عين الحسد، فرحنا نمشي إلى أن وصلنا إلى المكان المنشود، وهناك فوجئنا بأعداد غفيرة من الجماهير الصامدة قد سبقتنا صانعة طابورين عظيمين أحدهما ناعم والآخر خشن، أخذنا مكاننا الطبيعي بين الناعمات، ورحنا ننتظر معتمدين على قدرة القوي الرزاق، إلا أننا لاحظنا بعد مراقبتنا لآلية الدور أن هناك تحيزاً ضد النساء، إذ إن بعض الرجال استندوا على مركزهم التاريخي المتميز ليخترعوا نظرية (اثنان مقابل واحدة)،

وهذا الوضع صدم نفوسنا الطامحة إلى المساواة، وإلى قبض النقود بأسرع ما يمكن، فهاجمنا هذا الوضع بشراسة، وأفهمناهم أن هذه النظرية كانت موجودة يوم كان عدد الرجال أكبر من عدد النساء بكثير، بينما الآن نرى أن طابورهم يتقلص شهراً وراء شهر! وقد اقتنعوا برأينا أخيراً بعد أن تدخلت قوات حفظ النظام ووقفت إلى جانب الحق… وهنا تدخلت زميلتنا المحجبة مقترحة أن يعملوا صرافاً أزرق للرجال، وصرافاً زهرياً للنساء، لكن اقتراحها قوبل باستنكار الطرفين،المهم أن الهدوء عاد، ورحنا نقضي الوقت بالثرثرة مع الواقفات معنا والتابعات لشركات أخرى، وكما كان الناس سابقاً يبدؤون تعارفهم بالحديث عن حال الطقس، بدأنا تعارفنا بسؤالهن عن الكهرباء، فردت إحداهن بأن وضع الكهرباء تغير فعلاً بعد الوعد الحكومي الأخير بتحسنها،إذ إنها صارت تنقطع خمس ساعات لتأتي ساعة،بعد أن كانت تنقطع أربع ساعات لـتأتي ساعتين! وهنا كثرت التعليقات عن مشكلة الغسالة التي لا تستطيع إنجاز وجبة الغسيل خلال هذا الزمن القياسي، وعن الثلاجة التي تحولت إلى خزانة. وكنوع من الاستفزاز علق أحد الواقفين في طابور الرجال محدثاً رفيقه: (ما شاء الله نسوان آخر زمن… لا تستطيع إحداهن غسل فردة جورب دون تشغيل الغسالة…) ولأننا جميعاً متسلحات بالوعي فقد (طنّشناه) متظاهرات بأننا لم نسمع كلامه، ثم قامت إحدانا بتوزيع بعض أوراق الجرائد لنضعها فوق رؤوسنا كنوع من المظلات الواقية من أشعة الشمس اللاسعة، ومع ذلك بقيت إحداهن ترنو إلى السماء وتتمتم بالأدعية، سألتها زميلتي: أراك مشغولة بمراقبة السماء، هل هذا موسم أمطار إن شاء الله؟ فردت: بل إنه موسم قذائف كما سمعت اليوم… ورغم أن القذائف صارت ظاهرة طبيعية، إلا أني لا أحبذ سقوطها علي في يوم مبارك كهذا اليوم، إذ إني أريد أولاً أن أتمتع براتبي!

باختصار قضينا وقتاً ممتعاً عند الصراف، كالوقت الذي كان يقضيه أجدادنا عند نبعة الضيعة، ولو كان لدي (مونة) على وزارة التربية، لاقترحت إدراج هذا الموضوع في المناهج الحديثة، إذ سيكون مفيداً للطلاب أن يكتبوا موضوعاً تعبيرياً يواكب العصر وسيكون عنوانه (رحلة إلى الصراف الآلي) وحين اقترب دورنا، وبتنا على بعد خطوة من تحقيق أملنا، إذا بالصراف يعلن فجأة أنه قد (حرد) وصار خارج الخدمة، بدا الغضب على الرجال، بينما رحنا نحن النساء نواسي أنفسنا، ونفكر بالرحلة القادمة، وعلى إثرها تبادلنا أرقام هواتفنا مع الأخريات، لكي يزودننا بآخر أخبار الصرافات السليمة، ولكي نطمئن على نتائج امتحانات الأبناء الذين تقدموا لشهادة البكالوريا، وعلى مصير الأولاد الذين قرروا السفر إلى الخارج.

العدد 1140 - 22/01/2025