بوادر صراع عرقي ـ طبقي …في الولايات المتحدة الأمريكية

تشهد الولايات المتحدة الأمريكية تصعيداً غير مسبوق في مستوى الصراع بين الحزبين الرئيسيين، الديمقراطي والجمهوري، حول عدد من الملفات الاجتماعية والاقتصادية والعرقية في المجتمع الأمريكي. ويأتي التوتر العرقي في المرتبة الأولى، بسبب تزايد العنف الذي تمارسه الشرطة ضد المنحدرين من أصول أفرو-أمريكية، بينما تتزايد نزعة الانفصال في أوساط المنحدرين من أصول أوربية بسبب رفضهم لتدخل المركز (واشنطن) في شؤون ولاياتهم الداخلية.

هذا الصراع ظهر للعلن مع وصول باراك أوباما إلى سدة الحكم في البيت الأبيض فاتحاً باب صراع الهويات العرقية على مصرعيه في الولايات المتحدة الأمريكية، وشكل عودة لبعض مظاهر الحرب الأهلية الأمريكية (1861-1865) بعد أن رفعت بعض الولايات الجنوبية علم الانفصال مترافقاً ببعض الجرائم الوحشية ضد المواطنين (السود). وأعاد إلى الأذهان أجواء ستينيات القرن المنصرم، الذي تميزت بمواجهات عرقية كبيرة وحركات احتجاج واسعة من قبل (السود) للمطالبة بحقوقهم المدنية.

يعود السبب الرئيسي لنشوب هذا الصراع، حسب رأي الخبراء، إلى التغيرات الديموغرافية في الولايات المتحدة نتيجة تراجع عدد السكان من أصول أوربية مقابل ارتفاع نسبة المنحدرين من أصول لاتينية وآسيوية وأفريقية، الأمر الذي بات يؤثر بشكل واضح في المعادلات الانتخابية في بعض الولايات الرئيسية والذي ستكون إحدى تداعياته الرئيسية انهيار حلم تأسيس دولة (للبروتستانت البيض الأوربيين) سيما أن الجيل الجديد من هؤلاء لا يؤمن بهذا الحلم ولا بنظرتهم إلى الأقليّات الأخرى بسبب طبيعة الحياة ونظام العمل في أمريكا.

الحزب الديمقراطي الأمريكي كان أول من حاول الالتفاف على هذه المشكلة من خلال ترشيحه لباراك أوباما لرئاسة الولايات المتحدة، وتبنيه لشعار (التغيير) في محاولة منه لكسر الصورة النمطية لشخصية الرئيس الأمريكي (أبيض-بروتستانتي-من أصول أوربية). ويركز في حملته الانتخابية الحالية على ضرورة تجاوز حالة الاستقطاب العرقي والانقسام داخل المجتمع الأمريكي، إضافة إلى محاربة العنصرية والتمييز داخل مؤسسات الحكومة وخصوصاً مؤسسة القضاء التي أخذت أحكامها تميل إلى الشدة تجاه غير البيض أو المهاجرين في بعض الولايات. مقابل ذلك، نرى أن الحزب الجمهوري أخذ ينحو في خطابه نحو التشدد الديني ويرفع لهجته تجاه المهاجرين غير الشرعيين القادمين من أمريكا الوسطى والجنوبية. هـذا الخطاب وإن لاقى استهجان فئات كثيرة، إلا أن نسبة مؤيديه بدأت بالازدياد داخل المجتمع الأمريكي، وفي مفــارقة قد تكون مدهشة، أن بعض المؤمنين بهذا الخطاب هم من أصول أفرو-أمريكية.

خلاصة القول، إن المجتمع الأمريكي يعيش مرحلة فاصلة من تاريخه، ظهرت خلالها أزمة هوية غير مسبوقة بعد أن أصبح المنحدرون من أصول كاثوليكية لاتينية قاب قوسين أو أدنى من التحوّل إلى أغلبية تقضي على أحلام (البيض البروتستانت الأوربيين) بتأسيس الجمهورية الخيالية الموعودة، وتحول حلمهم الأمريكي إلى كابوس، لعجزهم عن تحقيق التوازن المطلوب داخل المجتمع. هذا الأمر يستوجب بلورة استراتيجيات جديدة من أجل مواجهة هذه التوترات، ولا نبالغ إن قلنا إن نتيجة الانتخابات الرئاسية المقبلة في الولايات المتحدة الأمريكية ستحدِّد وجهة المجتمع الأمريكي إن باتجاه التعدد الثقافي والعرقي، أو باتجاه نوع جديد من العنصرية النازية سنشهد من خلالها مظاهر لعنف وحشي بين مكونات هذا المجتمع.

العدد 1140 - 22/01/2025