مستقبل بدل ضائع
قبل أن نفكر في حدود أحلامنا نحصر التفكير في كرسي خلف طاولة في بناء حكومي، وفي ماهية الطريقة لبلوغه وأي الدراسات توصلنا إلى برّ الأمان هذا.
نعم، فالوظيفة هي الهم الأكبر والشبح الذي يلاحق بناء المستقبل وتحقيق الذات، لذا يُصر الأهل في بعض الأحيان على الوقوف أمام رغبات أولادهم وأحلامهم، بحجّة أنهم يختارون الضمان الأكبر لهم، والغاية المنشودة دائماً وأبداً: (وظيفة دولة)!
هنا يتسلل السؤال، لماذا الميزان يرجح للوظيفة الحكومية دون القطاع الخاص؟
هل جميع الشبان يفضلون القطاع العام على الخاص؟
المعطيات على أرض الواقع هي من تفرض التفاصيل وكذلك الفُرص المتاحة.
لكن بنظرة تفصيلية إلى الطرفين نقول إن الوظيفة ضمن دوائر الدولة مضمونة أكثر لدوامها إذا تثبّت العامل، كما يُضاف إلى ذلك شمولها لمنح الدولة المادية، فهي المغذي الرئيسي لها عدا زيادة الراتب والترقية تبعاً لنظام معين، وقد تتنصل رقاب الخاص من المعاش التقاعدي إلاّ ضمن شروط وسياسات، وحتى التعويض الصحي يحتمل ألا تتعهده. كذلك تضمن الوظيفة الحكومية أيام إجازة وأمومة مدفوعة الأجر، فقد تكون أسهل وخصوصاً بعدد ساعات الدوام القليلة مقارنة مع القطاع الخاص الذي يُلزم في بعض الأحيان بعدد ساعات أكبر أو نظام دوامين مسائي وصباحي.
حتى لا نظلم القطاعات غير الحكومية، أرى أنها كانت الرائدة في موضوع تعيين الشخص المناسب في المكان المناسب.. كيف؟ ذلك حين تُخصص مجالات العمل وتوزع المهام حسب الاختصاص والمؤهِّل،
فمثلاً المهندس ضمن القطاع الخاص قد يجد الفرق في صب معلوماته وخبراته ضمن الإطار المناسب لمجاله، ولا يقتصر عمله على توقيع أو موافقة ودراسة أوراق، وربما يجد البيئة الأكثر احتضاناً لو فكّر في ابتكار سُبل جديدة، فالمردود المادي سيكون مغرياً على عكس تصفيق وثناء، فقط، قد يلقاه في الحكومي.
الحالات لا تُعمم ولا يمكن تخصيص الأمور بطريقة تشوّه صورة العمل في الطرف الأخر، بالنهاية كلها سُبل مُتاحة أمام الشباب وعلينا أن ننظر إلى كلا الفرص على أنها حاضنة للقوة الشبابية وثمار جهودهم.
ولكن قبل المساواة في النظرة أرى أنه يجب أن تشبك الدولة يدها مع الأطراف الأخرى إن كانت بحق تريد استثمار الطاقات الشبابية وعقولهم، وهكذا عندما تصبح الدولة سنداً لهذه القطاعات وتعمل على تعزيزها ربما نحلُّ الكثير من القضايا وخصوصاً الوظيفية منها.
فحتى إن قلنا قطاع خاص، أليس مكاناً استطاع جذب اليد العاملة ورفد السوق الاقتصادية وعمل على تطوير الموارد البشرية؟
ففكرة المقارنة المستمرة والتفضيل الدائم علينا التخلّص منها فلا تكون فرصة الخاص ثانوية بل تتساوى ظروف العمل وشروطه ضمن نظام عمل يسري على كل عامل.
واليوم حتى لا يضيع المستقبل وتموت الشهادة نستغل فرصة القطاع الخاصة لتكون مستقبل بدل ضائع، وهذه مشكلة حقيقية علينا مواجهتها بجدية تتناسب مع الوضع الراهن ومعطياته.