الصناعات النسيجية السورية.. الواقع ومتطلبات النهوض

عقد الاتحاد العربي للصناعات النسيجية، وجمعية العلوم الاقتصادية السورية، صباح يوم الأحد 24 تموز 2016 في فندق داما روز بدمشق، ورشة عمل برعاية وزير الصناعة، لمناقشة واقع الصناعات النسيجية السورية.

شارك في الورشة عدد كبير من الصناعيين ومديري الشركات والاستشاريين وممثلون عن غرف الصناعة والتجارة والجمعيات الأهلية المختصة. ناقش المشاركون الورقة التي أعدّها الخبير فؤاد اللحام، مستشار الاتحاد العربي للصناعات النسيجية، بعنوان (الصناعات النسيجية السورية: الواقع ومتطلبات النهوض).

تتناول الدراسة واقع الصناعات النسيجية السورية قبل الأزمة وأثرها على هذه الصناعات بشقيها العام والخاص، وتشخيص وضعها الراهن ومظاهر تعامل الصناعيين مع واقع الأزمة، كما تتناول الإجراءات والتدابير الحكومية المتخذة وصولاً إلى الرؤية المقترحة لإعادة تأهيل الصناعات النسيجية السورية.

أهمية الصناعات النسيجية السورية

تتميز سورية بين عدد قليل من الدول العربية بوجود كامل سلسلة إنتاج الصناعات النسيجية فيها، بدءاًً من مادة القطن الخام حتى المنتَج النهائي من الأقمشة والملابس بأنواعها المختلفة، وقد بلغت مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي للصناعات النسيجية عام 2008 نحو 83%. كما بلغت مساهمة الصناعات النسيجية في الناتج المحلي الصناعي عدا تكرير النفط 27%، وساهمت بنحو 40% من الصادرات الصناعية غير النفطية، وفيها 30% من إجمالي عدد العاملين في الصناعة. كما بلغ عدد المنشآت النسيجية المسجلة رسمياً لغاية عام 2015 نحو 23267 منشأة عدا المنشآت غير النظامية.

وضع الصناعات النسيجية السورية قبل الأزمة

واجهت الصناعة السورية بشكل عام والصناعات النسيجية بشكل خاص خلال السنوات الخمس التي سبقت نشوب الأزمة مجموعة هامة من الأحداث والصعوبات حالت دون الاستفادة من نقاط قوتها ومعالجة نقاط ضعفها، وأدت بالتالي إلى عدم الاستفادة من الفرص التي كانت متاحة أمامها، ما زاد من حجم المخاطر والصعوبات التي واجهتها والتي تجلت بشكل خاص في الأمور التالية:

تحرير التبادل التجاري وفتح السوق السورية نتيجة استكمال تنفيذ الاتفاقيات الجماعية والثنائية مع عدد من البلدان العربية وتركيا.

– ارتفاع أسعار المحروقات داخلياً وأسعار العديد من مدخلات الإنتاج.

– ضعف التكامل بين طاقات حلقات إنتاج القطن والغزل والمنتجات النسيجية الأخرى، وضعف مستوى التصميم وعدم تنفيذ البرنامج الشامل للتحديث والتطوير الصناعي الذي أعدّه برنامج التحديث والتطوير الصناعي عام 2007 بهدف تحديث وتطوير 1000 شركة صناعية خلال 3 سنوات من ضمنها الشركات النسيجية.

– الافتقار إلى العديد من الهيئات الداعمة الضرورية لتعزيز القدرة التنافسية للمنشآت الصناعية.

– ضعف التمويل الصناعي وارتفاع تكاليفه وصعوبة شروطه، وغلبة الأسلوب الإداري التقليدي لدى القسم الأعظم من منشآتها، وعدم الاهتمام الكافي بأشكال الملكية الأخرى.

– التأخر في معالجة أوضاع القطاع العام النسيجي.

 – إغفال أهمية الجانب البيئي.

 وقد أدت كل هذه العوامل إلى تراجع الاهتمام بالصناعة بشكل عام وبالصناعات النسيجية بشكل خاص، وانتقال العديد من الصناعيين إلى التجارة واستيراد المنتجات المشابهة لما ينتجونه، وتراجع عدد المشاريع الصناعية المنفذة سنوياً من 2251 مشروعاً في عام 2006 إلى 1408 في عام 2010، وإلغاء 3282 سجلاً وقراراً صناعياً عام 2009 شكلت المنشآت النسيجية نسبة 46% منها.

أثر الأزمة على الصناعة السورية

أضافت الأزمة صعوبات وتعقيدات جديدة إلى ما كانت تعاني منه الصناعات النسيجية السورية قبل الأزمة. وتتمثل أهم آثار الأزمة على الصناعة السورية حتى الآن بتضرّر أعداد كبيرة من المنشآت الصناعية وتوقفها عن الإنتاج والتصدير نتيجة التدمير والتخريب والسرقة وصعوبة الوصول، وبلغ عدد المنشآت الصناعية المتضررة الخاصة التي أُحصيت حتى الآن 1548 منشأة من ضمنها عدد من المنشآت النسيجية تقدر خسائرها بنحو 503 مليارات ليرة سورية، إضافة إلى إلحاق أضرار بـ 14 محلجاً تابعة لمؤسسة الأقطان تقدر خسائرها بنحو 43 مليار ليرة سورية، وخروج 12 شركة تابعة للمؤسسة العامة للصناعات النسيجية قيمة أضرارها نحو 24 مليار ليرة سورية، إضافة إلى هجرة أعداد كبيرة من الصناعيين والفنيين إلى البلدان المجاورة وغيرها (مصر، الأردن، تركيا…..) ونقل معاملهم أو إقامة معامل جديدة في تلك البلدان واستقدام معظم العمالة الفنية التي كانت موجودة لديهم للعمل في تلك المنشآت، وكذلك اضطرار العديد من المنشآت والمشاغل الصناعية للنزوح من المناطق المشتعلة، والعمل ضمن ظروف وإمكانيات صعبة في ظل عدم توفر التمويل اللازم لدى الصناعيين لإعادة تأهيل وتشغيل ما يمكن من منشآتهم المتضررة أو المتوقفة بسبب وقف القروض ووضع شروط صعبة لإعادة جدولة الديون، والنقص الكبير في الكهرباء والمحروقات وارتفاع أسعارها.

التعامل مع الظروف الراهنة

مع استمرار الأزمة والتوقعات بعدم انتهائها في وقت قريب، قام عدد من الصناعيين السوريين بالتعامل مع هذا الواقع قدر الإمكان. فبدؤوا بإعادة تأهيل منشآتهم وتشغيلها بإمكاناتهم الذاتية، فجرى تأهيل وتشغيل عدد من المنشآت الصناعية وبشكل خاص المنشآت التي لم تكن أضرارها كبيرة وبالتالي لا تتطلب من أصحابها نفقات عالية لتأهيلها ويمكن عودتها للإنتاج بكلفة قليلة وفي وقت قصير نسبياً. كما جرى تشميل مشاريع صناعية جديدة وترخيصها وتنفيذها في عدد من المدن السورية الآمنة، ففي الفترة 2011-2015 جرى تنفيذ 298 مشروعأً نسيجياً مجموع راسمالها 3.4 مليارات ليرة سورية وتشغل 3450 عاملاً. ويتوزع عدد هذه المنشآت كما يلي:

211مشروعاً وفق القانون رقم 21، و81 منشأة حرفية و6 مشاريع وفق قانون الاستثمار. كما أُعيد تشغيل 22 شركة من شركات القطاع العام الصناعي المتضررة جزئياً (التي تراوحت أضرارها ما بين 45% -60%) سواء في مقراتها الأصلية أو في مقرات مؤقتة جديدة.

وقد استطاع عدد من المنشآت الصناعية قيد التشغيل معاودة التصدير إلى بعض البلدان العربية وعدد من البلدان الأخرى مثل إيران وروسيا والمشاركة في عدد من المعارض المتنوعة والمتخصصة داخل سورية وخارجها، وبلغت قيمة الصادرات النسيجية التي صُدّقت شهاداتها من قبل غرفة صناعة دمشق وريفها خلال عام 2015 نحو 13.6 مليار ليرة سورية. أما بالنسبة لصادرات القطاع العام فقد انخفضت صادرات مؤسسة الأقطان من 192 مليون دولار عام 2010 إلى 2 مليون دولار عام 2012 وتوقفت تماماً بعد ذلك، كذلك تراجعت صادرات المؤسسة العامة للصناعات النسيجية من 195 مليون دولار عام 2010 إلى 135 ألف دولار عام 2015 ونحو146 ألف دولار في النصفالأول من عام 2016 نتيجة بيع عوادم.

إعادة تأهيل الصناعات النسيجية

إن ما سبق عرضه يتعلق بإعادة تأهيل الصناعة السورية بشكل عام، إلا أن إعادة تأهيل قطاع الصناعات النسيجية تتطلب مجموعة أخرى من الإجراءات والتدابير الإضافية التي تعالج هذا الموضوع بشكل متكامل يشمل كل حلقات سلسلة إنتاج الصناعات النسيجية، بدءاً من زراعة القطن وصولاً إلى المراحل الأخرى وبضمنها التصميم.

ونبين فيما يلي الخطوط العامة الرئيسية اللازمة لكل حلقة من حلقات إنتاج الصناعات النسيجية:

أولاً- إنتاج القطن:

إعادة تأهيل الأراضي الزراعية وتحديد المساحة المخصصة لزراعة القطن وفق طاقة المحالج والمعامل العامة والخاصة وحاجتها، للحيلولة دون تصدير القطن الخام أو الغزول، وتشجيع التحول إلى طرق الري الحديث في زراعة القطن، والعمل على خفض تكاليف إنتاج القطن من خلال إدخال المكننة في زراعته وجمعه وتخزينه بشكل نظيف، وتخصيص مساحات مناسبة لإنتاج القطن (العضوي) والملون وتصنيعه وفحص الأقطان المنتجة دورياً وتوريدها بانتظام.

– غزل القطن

تحديد سعر تنافسي لبيع الغزل المحلي بالليرة السورية وتسوية التشابكات المالية بين المؤسسة العامة لحلج وتسويق الأقطان والمؤسسة العامة للصناعات النسيجية والعمل على توفير الغزول القطنية الممشّطة والمونسة وفق حاجة الشركات المحلية، ومتابعة التدريب والتأهيل وبشكل دوري لكل العناصر الفنية. وتخصيص معمل أو خط إنتاج بشكل مبدئي لإنتاج الغزول القطنية العضوية.

النسيج:

– تخصيص خط إنتاجي أو معمل لإنتاج الأقمشة والمنتجات القطنية العضوية والنسيج الفني المتخصص بالاستخدامات الصناعية كالفلاتر وغيرها.

 – التركيز على إنتاج الأقمشة التي تلبي حاجة السوق المحلية وتشجيع إقامة العناقيد الصناعية النسيجية.

– التحضير والتجهيز:

1- دعم الدولة لإنشاء محطة معالجة مياه مركزية لكل تجمع صناعي، والتركيز على إدخال آلات ذات تقنية نظيفة، وتوفر استخدام الماء والطاقة، وتقديم التسهيلات والدعم لتحسين عمليات الإنهاء.

2- التركيز على أهمية التدريب والتأهيل وبناء القدرات في هذا المجال، وتطوير آليات مراقبة الجودة، وإقامة مخبر للصناعات النسيجية متطور ومعتمد من أحد المخابر العالمية، وتوفير التمويل لمراكز البحث المعنية وبشكل خاص فيما يتعلق بترشيد استخدام الماء والطاقة واستخدام الأصبغة العضوية.

تصميم الملابس:

– إنشاء مراكز بحث متخصصة بالتصميم وبخطوط الموضة وألوانها، وتطوير قدرات المصممين المحليين.

– توعية الصناعيين بأهمية التصميم ودوره في رفع القيمة المضافة للمنتج.

– إجراء مسح لتحديد قياسات المواطن السوري، والمشاركة مع ماركات عالمية بهدف الاستفادة من أسواقها ونقل المعرفة والخبرة منها.

– العمل على الاستفادة من خصوصيتنا السورية والعربية والاسلامية في مجال تصميم الأزياء وصناعتها.

– تبني مفهوم حاضنات الأعمال لدعم المصممين. وتفعيل مركز تطوير الألبسة في غرفتي صناعة دمشق وحلب وإنشاء نقابة لمصممي الأزياء.

مؤسسات التدريب:

– إقامة علاقات تعاون بين مراكز التدريب المحلية ومراكز التدريب العالمية لاعتماد مناهج التدريب ووسائله ، المتوافقة مع المعايير الدولية وإحداث كلية خاصة لتدريس صناعة الغزل النسيج والألبسة، وإدخال مفهوم التدريب عن بعد الذي يمكّن الشركات من التواصل وتعزيز قدرات العاملين فيها وكذلك الطلاب، وتوسيع مجالات التدريب كالتسويق والتجارة الإلكترونية والتصميم والجودة، وتفعيل مراكز التدريب والمعاهد الخاصة بالصناعات النسيجية الموجودة.

– تشجيع الصادرات النسيجية.

– تطوير دعم الصادرات حسب القيمة المضافة التي تحققها، ومنح المصدرين الصناعيين مزايا ضريبية إضافية.

– الاستفادة من نظام الإدخال المؤقت بغرض التصدير وتفعيله وإحداث بنك لتمويل الصادرات.

– تشجيع شركات النقل البحرية لربط المرافئ السورية مع المرافئ الخارجية وخاصة المغرب العربي والبلدان الصديقة وتأمين خطوط شحن جوية وبرية ودعمها وتشجيع المشاركة في المعارض، والمساهمة في نفقاتها والترويج الإقليمي والدولي للمنتجات النسيجية السورية، وإقامة شركات مساهمة مهمتها التصدير ودراسة الأسواق الخارجية وتلبية متطلباتها وأن تكون على مستوى عال من المعرفة الكفاءة والمقدرة للقيام بعملية تسويق المنتجات النسيجية السورية إلى الدول الأخرى. وتفعيل الاستفادة من نظام المرافئ الجافة وتطوير عمل الدوائر الجمركية في آلية تدقيق شهادات المنشأ، وتحديد قيم المستوردات الفعلية لتحقيق عدالة المنافسة مع الأسعار المحلية.

العدد 1140 - 22/01/2025