المخدرات الرقمية.. إدمان من نوع آخر
تبتسم شفاهنا عندما يغازل لحن جميل ينساب من إحدى وسائل الاستماع آذاننا، تهدئ نفوسنا المحملة بشحنات اليوم السلبية، نسترخي، نشعر بأمل جديد ينعش متخيلنا، تتزاحم الأفكار طارقة أبواب العقل، يغمرنا شعور الطمأنينة مع تلك الأنغام العذبة التي يرقص معها كل شيء، إنها الموسيقا التي تغنّى بسحرها الأدباء والفلاسفة عبر مختلف العصور، فقد كانت ملاذاً للأرواح البائسة، وهروباً من الواقع المتردّي إلى الأماكن التي تتحقق فيها الأحلام عبر نغمات وألحان تنقل سامعها إلى عالم آخر.
تبقى الموسيقا من أرقى ما صنعه الإنسان، وعُرفت رمزاً للسلام، وجمعت لغات العالم في سمفونياتها التي جذبت مختلف القوميات والمجتمعات، لذلك سمِّيت لغة العالم، لكن هل تحولت الموسيقا من لغة القلوب والأرواح إلى نوع من الإدمان؟
انتشرت في السنوات الأخيرة موسيقا من نوع آخر أطلق عليها مصطلح المخدرات الرقمية، لما لها من تأثير على مستمعيها وفق ما نشر من دراسات غير معروف مصدرها ولا إن كانت مبنية على أسس علمية أم هي نوع من تجارة أخرى وفق مخيلة واضعيها، أم حقاً لهذه لتلك الموسيقا تأثير على الدماغ وتسبب الإدمان لمن يستمع لها.
ما هي المخدرات الرقمية؟ وكيف نشأت؟ وماذا قيل وكتب عنها؟
المخدرات الرقمية
المخدرات الرقمية أو الـ (Digital Drugs)أو الـ(iDoser) هي عبارة عن ذبذبات تنساب إلى المخ عبر الأذن على شكل نغمات تؤثر على الذبذبات الطبيعية للمخ، مدخلة المتلقي إلى عالم آخر من الاسترخاء والهدوء إلى حد يصل لتأثير المهدئات الكيميائية، ويتم سماع مقاطع نغمات عبر سماعات الأذن أو مكبرات الصوت بكل من الأذنين، إذ تبث ترددات معينة في الأذن اليمنى مثلاً وترددات أقل إلى الأذن اليسرى، فيحاول الدماغ جاهداً أن يوحد بين الترددين للحصول على مستوى واحد للصوتين، وهذا الأمر يجعل الدماغ في حالة غير مستقرة، على مستوى الإشارات الكهربائية العصبية التي يرسلها، وبشكل عملي أكثر وضوحاً يقوم الدماغ بدمج الإشارتين، مما ينتج عنه الإحساس بصوت ثالث يدعى binaural beat، فمثلا: يكون تردد أمواج الصوت في الأذن اليسرى 100 هرتز، والأذن اليمنى 107 هرتز، فيقوم الدماغ بإنتاج موجة تردد آخر ذات 7 هرتز. ويحدث من خلالها تغييرات في نشاط الموجات الدماغية. ويجب أن يكون الفرق في الترددات بين الأذنين أقل من 30 هرتز، وذلك للحصول على أفضل نتيجة، وإلا سيتم سماع النغمتين على حدة دون إدراك الدماغ لأي منهما، والتأثير فيه، ومن هنا يتم تقسيم أنواع المخدرات الرقمية مثلها مثل أنواع المخدرات التقليدية، وتعتبر نوعاً جديداً ومستحدثاً من أنواع المخدرات، وهي تمثل تحدياً حقيقياً في مجال الإدمان، ولعل من المهم والضروري أن نتعرف على هذا النوع من المخدرات حتى نحتاط جيداً منه ونتعامل معه بما يستحق من الاهتمام لخطورته الشديدة وتحدياته الصعبة.
لمحة تاريخية
نشأت المخدرات الرقمية واعتمدت على تقنية قديمة تسمى (النقر بالأذنين) اكتشفها العالم الألماني هينريش دوف عام 1839 واستخدمت لأول مرة عام 1970 لعلاج بعض الحالات النفسية لشريحة من المصابين بالاكتئاب الخفيف، حيث تم استخدام هذا العلاج للمرضى الذين يرفضون العلاج السلوكي و العلاج بالأدوية ويتم العلاج عن طريق تذبذبات كهرومغناطيسية لفرز مواد منشطة للمزاج، كما أنها استخدمت في مستشفيات الصحة النفسية نظراً لأنه هناك خللاً ونقصاً في المادة المنشطة للمزاج لدى بعض المرضى النفسيين ولذلك يحتاجون إلى استحداث الخلايا العصبية إفرازها تحت الإشراف الطبي، بحيث لا تتعدى عدة ثوان أو جزءاً من الثانية ويجب ألا تستخدم أكثر من مرتين يومياً وتوقف العلاج بهذه الطريقة آنذاك نظراً لتكلفتها العالية، ليتم استخدامها بعد ذلك لأهداف علاجية كثيرة، منها العجز الجنسي وحتى الشره، وتم ذلك من خلال تحفيز الغدة النخامية في الجسم، عن طريق الاستماع إلى هذه الموسيقا، من اجل زيادة إنتاج هرمون السعادة مثل الدوبامين.
تجارة المخدرات الرقمية والترويج لها
يتم الترويج لذلك النوع من المخدرات عن طريق شبكة الانترنت وأيضاً يتم بيعها على شبكة الانترنت على شكل ملفات صوتية mp3 يتم تحميلها ثم البدء في استخدامها، وعادة يتم طرح نسخ تجريبية مجانية لجذب الشباب ثم تبدأ مرحلة الإدمان التي عادة لا تشعر الضحية أنها مقدمة عليها بشكل سريع ومع ملفات المخدرات الرقمية يرفق كتاب بقواعد الاستخدام التي يجب أن يتبعها المدمن عند سماع تلك الملفات الصوتية وهذا الكتاب عبارة عن 40 صفحة بقواعد الاستخدام الخاصة فأي جرعة زائدة من المخدرات الرقمية ستؤدي إلى الفتك بدماغ المستمع ومن ثم إنهاء حياته أو على أقل تقدير تدمير قدراته العقلية.
يحتوي الكتاب على شروط استخدام المستهلك لهذه الموسيقا لكي يستفيد منها بشكل مناسب ومن أهم هذه الشروط: أن يجلس المستمع لتلك النغمات منفرداً في غرفة خافتة الضوء و يغلق كافة الأجهزة التي تصدر صوتاً أو تشويشاً على ذهنه وقدرته على الإنصات للنغمات، كما عليه أن يرتدي ملابس فضفاضة، ويضع السماعات ويكون في حالة استرخاء مستمعاً للنغمات.
كما لأنواع المخدرات التقليدية أسماء حسب نوعها لهذه المخدرات الرقمية أيضاً أسماء وأصناف حسب قوة التأثير والتردد الذي تحدثه على المتلقي ومن أسمائها الجذابة الحديثة ((أبواب الجحيم –المتعة في السماء))
عادة ما يتم الترويج لهذه المخدرات عبر إقناع الشباب بعدم وجود أي ضرر من تلك المخدرات حيث لا تؤثر كيميائياً على الجسد كالمخدرات التقليدية، وبإبراز تأثير تلك المخدرات الرقمية على صحة الجسد ونشاطه واسترخائه وعرض قصص وهمية مختلقه لأشخاص خاضوا تجربة تعاطي المخدرات الرقمية وكيف أنها جعلت حياتهم أسعد وأجمل مما سبق وعرض تلك المخدرات بأسعار تنافسية زهيدة في متناول الجميع عكس أسعار المخدرات التقليدية التي عادة ما تكون مرتفعة وباهظة الثمن.
تأثير خطير
وفق بعض الدراسات إن تأثير المخدرات على الإنسان بشكل قد يوازي أو يفوق تأثير المخدرات التقليدية فهي تؤثر على التوازن النفسي بداخله وتجعله غير قادر على الاستغناء عنها ولو ليوم واحد ويصبح كائن انعزالياً منطوياً على نفسه يفضل العزلة والبقاء وحيداً مع تلك الموسيقا مما يؤثر على قدراته على التواصل مع الآخرين حتى الأهل في المنزل ويصبح غير قادر على العمل والإنتاج والتقدم نحو المستقبل فيتحول إلى إنسان محطم وضائع بل أثبتت دراسات متعددة أن تأثير المخدرات الرقمية على التفاعلات الدماغية والعصبية في المخ شديد الخطر ويؤثر على الاتزان العقلي للإنسان مما قد يجعلها أشد خطراً من المخدرات التقليدية التي عرفها الإنسان.
هل الموسيقا باتت خطراً
سوف يتساءل الكثيرون عند قراءتهم عن المخدرات الرقمية هل الموسيقا باتت تشكل خطراً على حياة من يسمعها ؟؟ بالتأكيد الموسيقا لا تشكل خطراً لعاشقيها، الموسيقا تساعدنا على الاسترخاء، على التخفيف من ضغط العمل وإزالة التوتر، كما تساهم في دب الحماس في أنفسنا ومنحنا الطاقة والحيوية والأمل، والمقصود بالمخدرات الرقمية هي نوع من ،موسيقا حديثة قائمة على نغمات ونقير مدروس ولا تثير سمع متذوقين الموسيقا أبداً ولن تعجبهم، فالروح العاشقة للموسيقا تدرك ما يناسبها، وللتقليل من خطر انتشار هذا النوع من الموسيقا بين جيل الشباب الحالي المدمن على الوسائل الرقمية وما يصدره الغرب لمجتمعاتنا علينا بالتوعية الكاملة والمستمرة للشباب داخل المدارس ويقع على الأسرة دوراً كبيراً في تلك التوعية حتى يلم الشاب بكل المعلومات عن ذلك النوع الجديد من المخدرات، كما يقع على عاتق الإعلام نشر التوعية عبر برامجه الشبابية والمجتمعية الموجهة للأسرة.