من الجّمل أُذنه!

 ياعيب الشوم..

مصطلح تستخدمه العامة والخاصة، لإبداء الاستغراب الاستنكاري، إزاء قول، أو فعل، أو موقف ما، غير متوقع ولا لائق، وربما لا معقول، حسب المعايير الإنسانية. يصدر عن شخصية أو مؤسسة أو جهة اعتبارية، أهلية أو رسمية. وكلما كانت تلك الشخصية أو الجهة، تمثل نسبة أكبر من الشعب، وبالتالي مسؤولية أكبر من سواها، كانت الطامة أكبر.

ولصديقتي التي اعتادت من باب (ليطمئن قلبي.. ولأقطع الشك باليقين)، أن تقول لك: مثلاً؟ حتى لو قلت لها: تتوافر سورية على أنواعٍ من الفساد والفاكهة. لصديقتي تلك ولمثيلاتها وأمثالها، لا ضير في أن نمثل لِجَمَلِ عيوبنا، مجتمعاً وحكومات، ببعض أُذنه:

يمضي كثيرون سحابة عمرهم في متناول مشاعرنا، ولا نقدّر فداحة عدم إعلانهم حبنا لهم، إلا غداة رحيلهم. يشغل بعضنا، رجالا ونساء، بالساعات، الآخرين، في فضلات الكلام، من مجاملات ومبالغات. ويعدّون من عدم (الإيتيكيت).. بل ومن الإهانة، أن يلفت الآخرون عنايتهم أو عنايتهن إلى مرور الوقت.

تلهج الأفواه الرسمية باسم المواطن.. تتغنى الشعارات بحقوقه.. تنص الدساتير على إنصافه.. تعقد المؤتمرات من أجل تحسين ظروفه وتقام الاحتفالات والحفلات والولائم على شرفه، في الوقت الذي يتقلّى فيه ذلك المواطن على مالا يحسد عليه من نار الذلّ والحرمان. يؤرّق الإبداع حياة صاحبه.. يستهلك عصارة فكره وحواسه.. قد يشكل من قريب أو بعيد سبب رحيله. ويستكثر بعضنا على المبدع، لحظات زهوٍ يزفّ فيها إلينا، عروس إبداعه.

يختار بعضهن فاضح الثياب، أو يفصّلنه على حجم الإغواء لديهن. ويستنكرن بشدة وبوقاحة أحياناً، إذا ما نظر أحدهم إلى ما جهدن أصلاً من أجل إبرازه، وخطف الأنظار إليه. يضحي الأهل في سبيل مستقبل أبنائهم، ما استطاعوا التضحية، مجترحين الحلول للصعاب والعقبات، عناية ورعاية. ويخجل بعض الأبناء بذكر أصلهم، أو بتقديم أحد أبويهم، لزميل أو مسؤول.

على الرغم من أنه، لم يعد موضع خلاف، بين كبير وصغير.. رفيع ووضيع.. عدو وصديق.. ولا بين فريق وفريق. أن غير قليل من الأساليب الخاطئة التي اتبعها مسؤولونا في الإدارة، والاقتصاد والسياسة والثقافة وسائر قطاعاتنا ومرافقنا، كانت سبباً أساساً، في ما شهدته وشاهدته بلادنا خلال خمس السنين المارقة، من كوارث.

ما زال كثير من المسؤولين يواظبون على ممارسة أساليبهم الكارثية، وكأن كوارث لم تكن.

تصل إلى كراج السويداء في دمشق، راجعاً من عملك، فتجد ساحته -كما في معظم الأحيان- تعج بالركاب، فيما يلتئم على مدخله، شمل بعض السائقين (من خارج الخط) مع بعض عناصر المفرزة، تلف سحنهم جميعا، هالة من عتم الهم والاهتمام والخطورة (كما لو أنهم صاروا على بعد قلبة دولاب من حلّ أزمة البلد):

سائق، تتبدل قسمات وجهه والتماعة عينيه، كتبدل مؤشرات سيارة عجوز، بين يدي سائق مبتدئ.. ثانٍ، تدور ذراعاه يميناً وشمالاً وأعلى وأسفل، مثل رادار يلاحق وسط أسوأ أحوال جوية هدفاً.. وثالث (يتجنبظ) على راصورات رجليه ونوابض رقبته..

وكلّ منهم يطرح أجرة معينة للراكب، مشفوعة بعددٍ من الأيمان وآخرَ مما تفضل وسامح به من حقه، تقديرا للظروف الحرجة التي يمرّ بها الوطن والمواطن. إلا أنّ أيّا من الأرقام المطروحة، لم ينزل تحت أضعاف التعرفة الرسمية الظالمة أصلاً (ضعفين، ثلاثة، وما فوق). ولِمَ لا، ما دام الركاب مقطوعين..و(الشوفيرية) معذورين.. والرقابة غائبة.. والضمائر معطوبة.. والحق مهضوم.. يا عيب الشوم!

العدد 1140 - 22/01/2025