أبا شفيع..يا لضراوة الرحيل المباغت!
تماماً كما هو معراج القدس وقباب أقصاها وأجراس القيامة ومعراج أطفال فلسطين، كان معراجك بالأمس!! ظللت تخوض في وجع فلسطين حتى كنت شهيدها، وفي خنادق نضالك حتى كنت مريدها، وفي حواريات إنسانيتك، حتى كنت وريدها الذي ظل ينزف نداوة حواراته حتى لحظة استشهاده! صعود واحد مشترك، بينك وبين براعم الطفولة الفلسطينية في معراجكم العظيم، عندما أبى براعم الأرض إلا أن تكون معهم في ذلك العرش الجماعي الحاشد الممتد من ياسمين الشام وحورها وكبادها موغلاً في برتقال يافا وصنوبر الجليل وزعتر الكرمل وفورة سنديان جبل النار! حاضر أنت بيننا، وحاضر ملء الغياب، وحاضر أبداً بلا غياب! ها أنت الآن في معراجك مع الذين تفانوا في استقبالك، الكرمي أبو سلمى ويوسف الخطيب وجول جمال وعبد الكريم عبد الرحيم وفواز عيد وسلطان باشا الأطرش وهنانو والشيخ صالح العلي وأحمد مريود وسليمان العيسى ومحمد الدرة وآيات الأخرس وفارس عودة ووفاء إدريس والقائمة تطول!
بروعة تلك البسمة التي استقبلتنا بها طوال عمرك، غادرتنا بها، مفرداً بنداوتها وطراوتها وحدّة انفعالك الوطني الآسر كلما تعلق الأمر بالشام وفلسطين! وامتداداً لكي يشمل ثرى العروبة كافة من محيطها الهادر إلى خليجها الثائر بمجاز ما نحن نريد ونتصور ونعمل لأجله!
آه يا أبا شفيع.. يا لضراوة الرحيل المباغت! ولكنه البادي في العين لحظة اشتعال وميضها الغريب والمتأجج في القلب لحظة ثورانه العاصف والمتوهج في انفعالاتك الهادرة لحظوة كنت تحاور بصمتك الهادر! ها أنت في لحظة طارئة مباغتة ضارية تسلم راية حوارك لآخرين خلفك، وتتأبط ذراعي الشام، وفلسطين مجنون العشق بهما، ثم تودعهما بقبلتين جارحتين، عند باب الغياب، وتمضي.. حتى آخر رمق في أنفاسك، وأنت تصرخ: فلسطين يا شام! ومن تحت بريق وميض نظارتك، التي هي الآن بانتظارك لكتابة يومياتك المؤرقة جداً، تنكسر الدمعة بيننا، والأيدي تلوّح والشالات البيضاء لحرائر فلسطين الشهيدات، وهناك عند سياجات الوعد ترف مرحبة بك.. أيها المعتلي صهوة ريحك باتجاه القدس والجليل ويافا، وأنت الصاعد قبلنا، ومثلنا باتجاه الإسراء الثاني، الذي نختتم به معراجنا القادم العظيم.