العمال بناة المجتمع.. فلتحترم حكومتنا عيدهم بتحسين واقعهم!

لنحترم العمل فهو القيمة العليا للتقدم الإنساني والمجتمعي

تحتفل بلدان العالم في الأول من أيار بعيد العمال العالمي، لإحياء ذكرى النضال والمناضلين من أجل الثماني ساعات في اليوم، وقد بدأت فكرة  يوم العمال في أستراليا، عام 1856، ومع انتشار الفكرة في جميع أنحاء العالم، تم اختيار الأول من شهر أيار ليصبح ذكرى للاحتفال إجلالاً للأشخاص المشتركين في قضية هايماركت 1886. 

ما هي قضية هايماركت؟

قضية هايماركت وقعت نتيجة للإضراب العام في كل من شيكاغو، إلينوي، والولايات التي شارك فيها عموم العمال، والحرفيين والتجار والمهاجرين، في أعقاب الحادث الذي فتحت فيه الشرطة النار على أربعة من المضربين فقتلتهم في شركة ماكورميك للحصاد الزراعي. وقد تجمع في اليوم التالي حشد كبير من الناس   في ساحة هايماركت، وظل الحدث سلمياً إلى أن تدخلت الشرطة لفض الاحتشاد، فألقى مجهول قنبلة وسط حشد الشرطة، أدى انفجار القنبلة وتدخل شرطة مكافحة الشغب إلى وفاة ما لا يقل عن اثني عشر شخصاً بينهم سبعة من رجال الشرطة. وتبع ذلك محاكمة مثيرة للجدل، فقد جرت محاكمة ثمانية من المدعى عليهم بسبب معتقداتهم السياسية، وليس بالضرورة عن أي تورط في التفجير، وقد أدت المحاكمة في النهاية إلى إعدام سبعة أشخاص.

حادث هايماركت كان مصدراً لغضب الناس في أرجاء العالم ، وبقيت ذكرى (شهداء هايماركت) في الذاكرة ضمن العديد من الإجراءات والمظاهرات الخاصة بالأول من أيار، وأصبح بعد ذلك احتفالاً دولياً للإنجازات الاجتماعية والاقتصادية للحركة العمالية. وعلى الرغم من أن الأول من أيار هو يوم تلقى وحيه من الولايات المتحدة، فإن الكونغرس الأمريكي قد خصص الأول من أيار كيوم للوفاء عام 1958، نظراً للتقدير الذي حظي به هذا اليوم من قبل الاتحاد السوفيتي، ووفقاً للتقاليد، فإن عيد العمال يحتفل به في الولايات المتحدة أول يوم اثنين في أيلول، وفي كثير من الأحيان يتخذ الناس هذا اليوم يوماً للاحتجاج السياسي.

تحية إجلال لعمال سورية!

 احتفاءً بعيد العمال إنه لشرف أن نتوجه إلى عمال بلدنا الصامدين رغم كل الظروف الصعبة نتيجة الحرب التي عصفت بالبلد منذ 7 سنوات بالتحية والإجلال، لما قدموه ويقدموه حتى اليوم في هذه المناسبة التي ترمز إلى الحرية والكرامة.

عيد العمال ليس مهرجاناً خطابياً خشبياً

خلال سنوات طويلة مضت لم يكن الاحتفال في هذا اليوم سوى تظاهرة بروتوكولية يتحدث فيها المسؤولون لدينا وبعض الشخصيات النقابية وغيرها عبر الميكروفونات في المهرجانات الخطابية التي يعقدونها والتي تنقل عبر وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية عن مكانة العامل وقدراته وإنجازاته، في الوقت الذي تواجه فيه القطاعات العمالية المختلفة في البلاد ظروفاً ومشاكل تعسفية وسيئة مبنية على المحسوبية والمصلحة الشخصية دون النظر في معالجتها أو تصحيح مسارها بما يواكب العصر.

وأغلب هذه المشاكل والظروف تتلخص في عدم احترام إنسانية العامل وحقه في العيش بكرامة وشرف، من خلال فرض بعض أصحاب العمل شروطاً قاسية على العمال، كالأجور التي لا تتناسب أبداً مع ساعات العمل الطويلة والقاسية التي يعملون بها يومياً، إضافة إلى استغلال وجود عمال فقراء همهم الوحيد تأمين لقمة عيش أسرتهم اليومي، فيقبلون بالحد الأدنى من الأجر مهما طالت ساعات العمل، كما أن اتحاد نقابات العمال حتى اليوم مازال يراوح في مكانه دون أن يعمل على إيجاد حلول تحمي العمال من براثن تجار السوق وأثريائه الذين أفرزتهم الحرب ليستعبدوا فقراء الشعب وكادحيه بأموالهم .

 العمالة السورية في أسوأ حالاتها

يمكننا القول اليوم بعد أكثر من 7 سنوات حرب بأن بلدنا باتت تعاني من قلة الأيدي العاملة الشابة، ويعود ذلك إلى كثير من الأسباب التي لم تعالجها حكومات الأزمة المتتالية، أهمها هجرة الكثير من الشباب السوريين كلاجئين إلى تركيا ودول أوروبا لأسباب كثيرة منها الفقر والظلم، إضافة إلى طلب معظم الباقيين من الشباب للالتحاق بالخدمة الاحتياطية، واستشهاد الكثير دفاعاً عن الوطن، وإصابة العديد من شباب البلد نتيجة الحرب، وأغلب هؤلاء الشباب هم من الخبرات والكفاءات العاملة والحرفية بمختلف مجالاتها والذي كان من الممكن الاستفادة من خبراتهم في مجالات كثيرة وخصوصاً بعد الحرب في عملية إعادة الإعمار التي سوف تتطلب الكثير من العمالة، فهل سنكون أمام خيار استيراد عمالة؟

الطبقة العاملة السورية إنجازات في القرن المنصرم

لقد حققت الطبقة العاملة في سورية من خلال تنظيماتها النقابية في القرن المنصرم، إنجازات ومكاسب متقدمة ، إلا إن حجم هذه المكاسب بدأ  بالانحسار والتراجع خلال السنوات الماضية، نظراً  لضعف الأجور، والهجرة للحرفيين والخبراء من إلى خارج البلد، نتيجة للظروف السياسية  والاقتصادية غير المستقرة، إضافة إلى عدم تطبيق قوانين تحمي صناعاتنا الوطنية من نظيرتها المنافسة، وإغراق السوق بسلع ومنتجات مستوردة تتمتع بالجودة والسعر الأقل، وعدم وجود حوافز وإعفاءات على المواد الأولية الصناعية الوطنية مما يزيد من كلف إنتاجها، وقيام بعض الصناعات الوطنية التي ترتكز على التصدير لأسواق خارجية محددة توقفت فجأة نتيجة للظروف السياسية والاقتصادية والمقاطعة المفروضة من قبل الدول الأخرى. كما أن الأجور منخفضة، هذه العوامل أدت في مجملها إلى تراجع المكاسب العمالية، في الوقت الذي تتصاعد فيه الكلف المعيشية والدراسية والصحية وأجور المساكن، بشكل أدى إلى انكماش الطبقة الوسطى التي تعتبر صمام الأمان للأمن الاجتماعي والوطني.

مقترحات

وفق ما يعيشه اليوم العامل الكادح السوري لتأمين لقمة عيش أطفاله، وفقر العمل الحكومي الذي لم يضع لسنوات طويلة خطة عمل تسهم في تحسين واقع العمال والحفاظ على الحرفيين والأيدي الماهرة والاستفادة من الخبرات، ومن خلال وجودنا المستمر مع العمال وسماع همومهم لابد لنا من الإضاءة على بعض النقاط الذي يجب معالجتها بدلاً من الخطاب المردد سنوياً والذي حفظه الجميع:

رفع الحد الأدنى للأجور وإلزام جميع الشركات بها وخصوصاً الخاصة.

إلزام القطاع الخاص بعطلة يومين في الأسبوع.

استحداث نظام صادر عن اتحاد نقابات العمال يمنع انتخاب رؤساء النقابات وأمناء سر الفروع وأمناء الصناديق لأكثر من دورتين متتاليتين. (هيكلة بعض النقابات منذ 15 سنة لم تتغير).

عقد دورات مشتركة لإدارات الشركات والهيئات الإدارية للنقابات في مجال الثقافة العمالية، باعتبار الجميع شركاء في التنمية.

الطلب إلى رؤساء تحرير الصحف اليومية تخصيص صفحة أسبوعية خاصة بشؤون العمال.

تخصيص برامج عبر وسائل الإعلام المرئي والمسموع خاصة بالعمال وهمومهم.

مطالبة النقابات كافة بإيجاد لجان للمرأة العاملة لرعاية شؤون المرأة في العمل.

تخفيض سنوات الخدمة لغايات تقاعد الضمان الاجتماعي للعاملين في المهن الخطرة، مثل العاملين في مصافي النفط وقطاع الكيماويات، والفوسفات، ومصانع الاسمنت وغيرها. 

لقد تجلى مفهوم العمل عبر الحضارات الإنسانية وصولاً إلى عصرنا الحديث بأنه ضرورة اجتماعية واقتصادية في حياة الفرد، إذ يساعده على تحقيق الصحة النفسية والعقلية والبدنية، كما يساهم العمل بتحقيق السعادة للإنسان فــبالعمل يحقق طموحه وهدفه الذي يرغب فيه، ويعتبر العمل واجباً مقدساً على كل فرد في مجتمعه.  

العدد 1140 - 22/01/2025