فلاحو الجزيرة وسكانها يستغيثون.. فهل من مجيب؟

تمر سورية منذ أكثر من سنة ونصف بظروف من أعقد الظروف في تاريخها الحديث، والأوضاع مفتوحة على أكثر من احتمال من جميع النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكانت السياسات الاقتصادية النيوليبرالية أحد الأسباب الرئيسية لهذه الأزمة المركبة التي تعصف ببلادنا.

فقد حوّل مسؤولو الاقتصاد السابقون الاقتصاد السوري إلى اقتصاد السوق، وسحبت الدولة يدها من الدعم للفئات الأقل دخلاً، بدلاً من أن تقوم بتنمية المناطق الزراعية، لأنها من أهم عوامل التنمية في بلدنا، وهي مركز لإنتاج السلع الاستراتيجية الغذائية والنفطية والقطن، وكلها تدخل في عداد العوامل الداعمة للصمود وتأمين الأمن الغذائي. وأخص بالذكر المناطق الشمالية الشرقية (الحسكة ودير الزور) التي أهملت لسنين طويلة، وخاصة محافظة الحسكة. فقد انتشرت البطالة وتوسع حزام الفقر.. فبدلاً من أن تقوم الدولة بمعالجة الأمور وبناء المعامل لامتصاص البطالة ووضع حد للفقر، لجأت إلى تهميش القطاع الزراعي، فأضافت مأساة جديدة، رغم صيحات العقلاء والشرفاء من أبناء الوطن حول ضرورة الاهتمام بالزراعة. فلجأت الدولة إلى تحرير أسعار الأسمدة، ورفعت أسعار المازوت المستخدم في الري، سواء الشتوي أو الصيفي. للعلم يباع ليتر المازوت في الحسكة حالياً ب230 ل.س.. وهذا يعني وداعاً للزراعة المروية التي تستخدم المازوت للري، وذلك يعني خروج أكثر من 50% من مساحة الأراضي الزراعية المخصصة من الاستثمار، وبالتالي تكون الدولة والوطن بهذه الحالة قد فقدت نصف الإنتاج الزراعي، ناهيك بأن تحرير أسعار السماد زاد الطين بلة، إذ ارتفع سعر طن السماد من 22 إلى 44 ألف و55 ألف أحياناً في الأسواق. أما البنزين بتاريخ 21/12/2012 فقد كان يباع الليتر منه ب275-300 ل.س، وهو متوفر بقدرة قادر في مداخل المدن وأزقتها. أما في محطات الوقود فهو مفقود، ويسأل المواطن من أين يأتي هؤلاء الباعة بالمادة؟ هل تُهرّب من دول مجاورة، وهذا غير وارد لفرق السعر عندنا وعندهم! إذن من أين؟ مع العلم أن هؤلاء الباعة المستفيدين من هذا الوضع لايريدون حلاً للأزمة السورية، وهي تتوسع يوماً بعد يوم. فأين هي الجهات المختصة من ذلك؟ وأين هي وزارة الاقتصاد ودوائر التموين في المحافظة من كل هذا؟

أما أسطوانة الغاز المنزلي فتباع في شوارع مدن محافظة الحسكة ب2500   – 2700 ل.س، بدلاً من 450 ل.س. ونعلم جميعاً أن الغاز من إنتاجنا وخاصة من إنتاج محافظة الحسكة وتعبأ في رميلان- معمل الغاز. رغم ذلك فالمادة غير متوفرة في سادكوب ولا لدى منافذ البيع الرسمية، لكنها متوفرة لدى الباعة الجوالين وفي أطراف المدن وبأسعار خيالية.

نعود ونكرر أين التموين؟ أين الجهات المختصة؟ لماذا لاتكبح هذه المخالفات؟ أم وراء كل بائع جوال من يدعمه ويحميه، هذا حديث الشارع، نعم إنهم تجار الحروب وسماسرة بلقمة عيش المواطن، على الدولة محاسبتهم ووضع حد لهم. لكن للأسف لا حسيب ولا رقيب، والمواطن يدفع الفاتورة وخاصة أصحاب الدخل المحدود.

ومن مأساة الفلاحين أن الدولة خصصت كمية محددة من المازوت للفلاحين لكل دونم، لكن للأسف الكمية لا تفي بنصف الغرض، فكان الفلاح يضطر أن يشتري من هنا وهناك لفلاحة أرضه وزراعتها، هذا عندما كانت المادة متوفرة، فكيف والوضع الحالي؟

محافظة الحسكة والجزيرة بشكل عام مستودع سورية من القمح والشعير والقطن والنفط، وأطفالها يعانون البرد والصقيع، فإذا أراد رب أسرة الحصول على ربطة خبز لأطفاله، فلابد من الوقوف في الطابور، أي الدور، لمدة لا تقل عن 3-4 ساعات.

نذكر بكل هذا، لأن حزبنا الشيوعي السوري (الموحد) كتب ونبه منذ سنين ووقف ضد السياسات الليبرالية للحكومات المتعاقبة، وأكد أن تحقيق الأمن الغذائي هو الهم الأكبر لدول العالم. وأن تحقيق الأمن الغذائي للشعب السوري يعني صيانة الاستقلال الوطني وتحرير القرار السياسي من الضغوط الخارجية. وأكد حزبنا في تقريره الاقتصادي في المؤتمرين العاشر والحادي عشر أن الأمن الغذائي الذي تخصص التنمية الزراعية بقسط وفير منه أصبح مسألة وطنية بامتياز، وهذا يعني أن الزراعة السورية كانت وستبقى ذات شأن كبير في الاقتصاد الوطني، وفي حياة الناس.

لذا فأبناء الجزيرة -محافظة الحسكة، يناشدون كل الشرفاء والوطنيين والغيورين على وطنهم وشعبهم، أياً كانت مواقعهم، أن يسعوا لتخفيف معاناة أبنائها الأوفياء لوطنهم، وبشكل خاص الفلاحون، لأن سكان الريف السوري يستحقون مزيداً من اهتمام الحكومة بأمورهم المعيشية والحياتية اليومية، وعدم تركهم يواجهون صعوبات الحياة دون اهتمام ورعاية من الدولة، ونؤكد أن الحكومة الحالية مدعوة لتأمين المستلزمات للإنتاج الزراعي بشقيه الحيواني والنباتي بسرعة إسعافية، وتقديم الدعم الكافي للفلاحين المنتجين بهدف ربطهم بالأرض، وزيادة الإنتاج بهدف تأمين الأمن الغذائي، فالزراعة بحاجة إلى دعم حقيقي وفعلي واهتمام جدي.

العدد 1136 - 18/12/2024