هدر الوقت خسارة اقتصادية.. الازدحام المروري ونقص وسائل النقل العامة يغتال أوقات المواطنين ويضعف الإنتاج!

ركزت الحكومة في اجتماعاتها الكثيرة على قضية الحد من الهدر، وترشيد الاستهلاك، والتركيز على الإنتاج. ولكن الهدر له صور كثيرة، وبعضها خطير جداً. وأهم أنواع الهدر هو هدر الوقت، لأنه الركيزة ونقطة البداية لجميع أنواع الهدر الأخرى.

ما نشاهده حالياً في شوارع دمشق وريفها هو المعاناة الكبيرة التي يجدها معظم المواطنين في حصولهم على وسيلة نقل في وقت مناسب، لتقوم بإيصالهم إلى مراكز ودوائر عملهم، سواء منهم العاملون في القطاع العام والخاص أم العاملون ذوو المهن الحرة.

المشهد الذي لا يمكن وصفه هو اصطفاف مئات المواطنين على أرصفة الشوارع وعلى المواقف، منتظرين قدوم وسيلة نقل تنقذهم من ساعات الانتظار الطويلة دون فرج.. فمعظم السرافيس توقفت عن العمل نتيجة عدم توفر مادة المازوت وارتفاع سعره، وتوفره بكثرة في السوق السوداء ولكن بسعر بلغ 60 ليرة سورية، إلا أنه مخلوط بالماء ويتم التلاعب بكميته.. ولدى المرور أمام إحدى محطات الوقود العامة، وجدنا الكثير من السرافيس مصطفة ضمن طوابير طويلة جداً، منتظرة دورها في تعبئة مادة المازوت، وهذا الانتظار وفق الكثير من سائقي السرافيس يطول عدة ساعات وربما يأخذ اليوم بأكمله.

ووفق الكثير من السائقين، فإن عدداً ليس بقليل من السرافيس توقف عن العمل نتيجة الازدحام الذي تشهده دمشق وريفها، إضافة إلى ندرة المازوت وارتفاع سعره. كما أن بعض أصحاب السرافيس أخذوا بيبعون ما يحصلون عليه من مازوت في السوق السوداء بأسعار مرتفعة، ويحققون مرابح تكون متساوية مع مدخولهم اليومي من العمل على خطوط النقل، وذلك دون أن يحركوا مركباتهم.

ومن شأن هذا كله أن يصل إلى نتيجة واحدة، وهي أن المواطن سيجد صعوبة بالغة في حصوله على كرسي في السرفيس، لقلة عددها، سواء في الريف أم في المدينة.. أما باصات النقل الداخلي فحدث ولا حرج.. ففي كل ساعة أو أكثر يأتي باص نقل داخلي ضمن دمشق، وربما تحتاج إلى واسطة لكي تجد موضع قدم فيه لشدة ازدحامه.

المواطن هنا سيستغرق ساعات طويلة لكي يصل إلى مكان عمله، مضافة إليها المعاناة الكبيرة في وجود وسيلة نقل.. وبالطبع هذا سيؤثر على حجم الإنتاج في جميع المؤسسات والشركات العامة أو الخاصة أو الفردية أيضاً. وفي حال كانت الحكومة حريصة جداً على عدم الهدر وترشيد الاستهلاك وزيادة الإنتاج، فيجب عليها أن تركز أيضاً على عامل الوقت.. بمعنى أن لا تكتفي فقط بالتدقيق على دوام الموظفين في الدوائر العامة، بل يجب أن تهيئ لهم الظروف المناسبة لكي يستطيع الموظف الوصول في الوقت المحدد له إلى مكان عمله صباحاً، والعودة إلى منزله أيضاً. كما أن المؤسسات الحكومية ليست هي المنتجة فقط، فهناك القطاع الخاص أيضاً بشتى أشكاله، وإن قتل الوقت يعني قتل الإنتاج، إذ يقول المثل: (الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك).

نحن نعلم أننا في ظروف استثنائية تمر على سورية، ولكن هل أخذت معظم الوزارات وعملت وفق منهجية معينة على اعتبارها وزارات أزمة؟ أي هل اتخذت إجراءات استثنائية تكفل حل المشكلات التي تواجه عملها وعمل موظفيها ولو بشكل آني وقدر المستطاع؟

ظاهرة قلة السرافيس على معظم الخطوط، وبضمنها دمشق وريفها، أصبحت واضحة. ولا بد من إيجاد حل سريع لهذه الظاهرة.. نعلم مدى الصعوبة في تأمين مادة المازوت، ولكن السؤال هنا: كيف يستطيع تجار الأزمات تأمين هذه المادة وبكميات كبيرة؟ في حين نجد أن محطات القطاع العام تفتقر لهذه المادة؟ فمن يزود تاجر الأزمات بمادة المازوت؟ وأين هي محطات القطاع الخاص ودورها في تأمين وسائل النقل والمواطنين أيضاً؟ وهل يوجد رقابة حقيقية عليها بحيث يتم معايرتها بشكل دقيق؟.. وهل تعلم الجهات الرقابية أن الكثير من المحطات بدأت تبيع مادة المازوت بالمزاد العلني لتجار الأزمات بحيث تفتتح المزاد بسعر 35 ليرة للتر الواحد؟ وهل تعلم الجهات الرقابية أن الكثير من صهاريج المازوت تبيع لصهاريج أخرى بسعر يصل إلى 40 ليرة للتر الواحد، وبالتالي يقوم الآخر ببيعها بأسعار خيالية للمواطنين وسائقي السرافيس؟ المشكلة لا تكمن في توفر أو عدم توفر المادة، بل المشكلة هي بالفساد واستفحال تجار الأزمات دون رقيب عليهم بمعنى (على عينك يا تاجر)!

أما في حال تحدثنا عن التكاسي فأصبحت أسعارها تكوي الجيوب، وخاصة بعد رفع سعر البنزين وأصبحت حجة سائقي التكاسي هي ارتفاع سعر البنزين وازدحام الطرق، هذا في حال رضي صاحب التكسي أن يتوقف، بمعنى آخر لم يبقَ للمواطن سوى السير على الأقدام وهذا ما يحدث فعلاً.

إذاً كل العوامل السابقة هي مشكلات حقيقة تواجه معظم العاملين والمواطنين، وهي ضمن خانة هدر الوقت، وهو خسارة كبيرة يتعرض لها المواطن والمؤسسات العامة والخاصة. فكثيرة هي المعاملات التي تتوقف نتيجة عدم وصول الموظف في الوقت المناسب إلى مكان عمله. وكثيرة هي الأوقات الضائعة التي ينتظرها المواطن على المواقف لكي يحصل على وسيلة نقل، فهلا وجدنا لذلك حلاً؟

وقد أوضح بسام قاسم، عضو المكتب التنفيذي لقطاع النقل في محافظة ريف دمشق، وفق وسائل إعلامية محلية: أن سبب الازدحام المروري يعود لعدم التزام المركبات بالخطوط في الظروف الراهنة، فقد انتقل بعض المواطنين ومنهم سائقو السرافيس للعيش في مناطق أخرى. ونعلم أن 99% من الخطوط هي ملكية خاصة ولا يمكن إجبار السائقين على العمل، ولا تتجاوز نسبة التقيد بالخطوط حالياً نسبة 50%. أما في دمشق فقد برر مصدر في محافظة دمشق سبب الازدحام في المدينة بارتفاع عدد السكان فيها إلى 8 ملايين نسمة، بعد أن كان نحو 5 ملايين، عدا خروج بعض الآليات (تكاسي وسرافيس) من الخدمة، بسبب سائقيها القاطنين في ريف دمشق، وارتفاع سعر المازوت ونقصه، وعدا توقف بعض السرافيس عن العمل لنقص عدد الجولات التي كان يقوم بها يومياً، والتي انخفضت من 15 دورة وسطياً إلى 4 أو 5 دورات في اليوم فقط.

أما عن باصات النقل الداخلي التي أصبحت قليلة الوجود، فقد تبين أن هناك عدداً كبيراً من باصات النقل الداخلي تعرضت للضرر. فقد خسرت إحدى الشركات العاملة بدمشق نحو 32 باصاً، وأخرى خسرت 14 باصاً. إن حل أزمة تنقل المواطنين في المدينة معروف لدى الجميع، وهو إعادة تشغيل أسطول النقل العام، وخاصة على خطوط التجمعات السكانية الكثيفة، إذ لا نرى مبرراً لترك هذه المسألة الحيوية رهينة بمزاجية أصحاب الميكروباصات ورغبتهم!

العدد 1140 - 22/01/2025