انكفاء مسؤولي (الزراعة) و(الفلاحين) يحوّل إنتاج القمح إلى معجزة
ألا يشعر وزير الزراعة أن زراعة القمح في خطر متصاعد؟ إنه حتماً يمتلك بيانات، تدقّ ناقوس الخطر، لجهة ما ينفذ من خطة زراعة هذا المحصول الاستراتيجي، وما ينتج سنوياً.
تنطلق مشروعية التساؤل ههنا، من مسألتين أساسيتين، الأولى المبالغ الطائلة التي تدفعها الدولة ثمناً لاستيراد قمح يسد الحاجة المحلية. والثانية: أن بلد الزراعة ـ والقمح على رأسها ـ بات مستورداً للمادة الغذائية الأساسية. وإذ حقق فلاحو سورية معجزات إنتاجية سابقاً، فيمكنهم الآن صناعة معجزة، إلا أن ما يمنعهم هم من يفترض أنهم أكثر المشجعين لهم.
لم يتغير شيء بين موسم القمح المنصرم، والموسم القادم. الخطط ذاتها، المسؤولين أنفسهم، والتصريحات المتطابقة مع بداية كل موسم. الاختلاف الوحيد الذي يمكن تسجيله، هو عودة الفلاحين لزراعة أراضيهم، يحدوهم الأمل أن يتغير شيء ما. فلماذا لم يفعل الوزير أحمد القادري شيئاً لمعالجة الخلل الكبير في القمح؟
بدأ موسم زراعة القمح، ولابد من استعداد قوي وفاعل، بعيداً عن الخطط التي يمكن وضعها ببساطة، لحساب المساحة التي يمكن زراعتها، وكمية البذار والسماد التي تحتاجها، والتوقعات المتفائلة بالإنتاج. هذا أمر سهل، للقادري وفريقه التخطيطي، ليضعوا تصوراتهم على الورق، ويتحدثوا عن خطة طموحة للموسم القادم. أما القضية الجوهرية فتتعلق باستمرار مشكلات زراعة القمح، رغم تعاقب المواسم. لابد من تذكير وزير الزراعة، بتحديات الموسم المنصرم، ومنها: كان المصرف الزراعي التعاوني مقّتراً جداً في دعم مزارعي القمح ورعايتهم، ولم يفتح يديه كما يجب، إذ إنه موّل نحو 70% من احتياجات الفلاحين لموسم القمح.
إنه تمويل بالقطارة، ولا يؤدي إلى نتائج إيجابية. ولا يكفي الإعلان عن استعداد المصرف المذكور لتقديم القروض، التي وصلت قيمتها إلى 20 مليار ليرة في الموسم السابق، ثم هو يضع شروطاً قاسية، ويعمل بعقلية مصرف بحت. فيما مطلوب منه، أن يعمل بعقل تنموي جريء، ويمارس الشجاعة المصرفية، ويمول اليد التي تطعم السوريين خبزاً أبيض. وبذلك، نغلق باب الاستيراد الذي يبدد القطع الأجنبي، لمصلحة قلة من المستوردين، فيما يتراجع المصرف خطوات للوراء في تمويل جميع مزارعي القمح، بالليرة السورية.
ثمة مؤشرات مخيفة في موسم القمح الماضي، منها على سبيل المثال، أن نسبة تنفيذ خطة زراعة المحصول لم تتجاوز 37%، هذا يعني أن سورية أنتجت 1.7 مليون طن قمحاً، مقابل 4.9 ملايين طن من المخطط. حتماً، للحرب الطاحنة الدور الرئيس في تدني نسبة الإنتاج، لكن ثمة وجه آخر للقضية، يتعلق بدور وزارة الزراعة وشركائها في العمل كالاتحاد العام للفلاحين، واتحاد غرف الزراعة، في معالجة المشكلات التي تحد من تنفيذ الخطط، وتقلص الإنتاج. لا تنطلق وزارة الزراعة وشركاؤها، في تعاملهم مع القمح، من لغة واقعية، يضعون خططها كما كانت قبل 2011، يتوقعون انتاجاً وكأن لا حرب في البلاد، يتحدثون عن دعمهم للفلاح وكأنه لا توجد مشكلة مالية، وقضية إقراض شائكة. ها هو ذا الوهم الذي تبيعنا إياه وزارة الزراعة وشركاؤها، على شكل تصريحات، وأفق سرمديّ، يخطّه الوزير القادري ورئيس اتحاد الفلاحين حماد عبود السعود ورئيس اتحاد غرف الزراعة السورية محمد الكشتو، في الليل المظلم للمواطن السوري.
من المؤشرات السلبية التي تستحق من وزير الزراعة ورئيسي اتحادي الفلاحين والغرف الزراعية معالجتها: انخفاض كمية تسليم القمح لمؤسسة الحبوب إلى ربع الانتاج الفعلي فقط، ويدخل بالشراكة معهم وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، نظراً لتبعية مؤسسة الحبوب. أثيرت قضية فساد أثناء استلام الحبوب، وعلى رأسها ما يتعلق بعدم التزام المتعهد بتوريد القمح من الجزيرة السورية، هل طوي الموضوع، وهل رُحّل إلى الموسم القادم؟ القضية ليست بالعروض لجهة تسليم القمح، التي لم تك سخية إطلاقاً، كما زعمت الحكومة السابقة، بل في عدم جديتها ـ أي الحكومة ـ في خلق المناخات المناسبة لاستلام قمح الفلاح السوري. كان يمكن عمل الكثير، لا لتشجيع الفلاح على تسليم محصوله فقط، بل للالتزام معه، واستلام محصوله.
يمتلك الفلاح السوري من الوطنية المثلى، بدليل إصراره على زراعة أرضه، في وقت يخشى كبار المسؤولين الخروج من مكاتبهم. يقبض المزارعون على الجمر، يمضون عامهم في زراعة أرضهم، منتظرين محصول القمح، وهو سيد مائدة كل الأسر السورية. ومرة ثانية نؤكد، أن الحرب الظالمة سبب رئيس، لكنها ليست كل الأسباب. الفلاح الذي يتحدى الحرب ويزرع أرضه، يريد وزارة زراعة واتحادات معنية ومؤسسات مسؤولة تقابله في العطاء. لايريد انهزامية، ولا عقلية تبرير، ولا ذهنية تجد آلاف الأسباب لشرح تدني المؤشرات، فيما المؤشر الأهم هو أن الفلاح انتصر على كل التحديات، وانتظر بلا طائل.
لا تفكر وزارة الزراعة بصنع المعجزات، إنها تحبو باتجاه ملء وقت الفراغ. وبصعوبة يفكر القادري أن يزيد مساحة زراعة القمح في خططه، رغم أنه يعمل بنصف مهام، كون قضية الاصلاح الزراعي متوقفة الأن، فلديه وقت كاف ليزرع حقولاً ضمن المناطق الآمنة، لإنتاج ما يكفي حاجة البلاد من القمح.