ترامب يهزّ الضمير العالمي
نجد أنفسنا في كثير من الأحيان، نكتب في مواضيع يجيدها غيرنا أكثر منا.. أعني الكتابة في موضوعات سياسية، ولكن من الذي قال بالفصل بين الثقافة والسياسة؟ وما هي نقاط التقاطع بينهما؟
لا ثقافة بلا سياسة، ولا سياسة بلا ثقافة.. هناك اتصال من جهة وانفصال من جهة أخرى.. ما يمكن أن نطلق عليه الاتصال الانفصالي.
في غمرة الأحداث الجارية، التي أثارت حفيظة المشتغلين في كل من السياسة والثقافة، ما قام به رئيس الولايات المتحدة الأمريكية متبرعاً بموقف سياسي تاريخي في مصلحة دولة الكيان الصهيوني، باعتبار القدس عاصمة لدولة قامت على العدوان والظلم والافتراء…
هذا التصرف يطرح عدة أسئلة أهمها:
هل يملك ترامب حق التصرف المطلق فيما يتعلق بصلاحيات لا يملكها أصلاً، في دولة خارج حدود بلاده، متبرعاً بمواقف لا يحق له إطلاقها أصلاً، من وجهة نظر القانون الدولي، متجاهلاً قرارات الأمم المتحدة، ضارباً عرض الحائط بإرادة المجتمع الدولي، مستهتراً بتضحيات الشعب العربي الفلسطيني، متناسياً تاريخ القضية الفلسطينية، وما قدم عبر التاريخ من آلام وآمال على مذبح نصرة هذه القضية العادلة والمشروعة، لشعب طرد من أرضه وشُرِّد في أصقاع الأرض بلا ذنب ارتكبه، إلا أنه رفض تصديق حكاية تاريخية مزعومة بحق تاريخي، لا سند له إلا أباطيل وجدت مصداقيتها في كتب صفراء، تثير الاستغراب حتى ولو آمن بها ملايين البشر.
ما قام به ترامب، سلوك عدواني لا يخرج عن الطبيعة العدوانية للقيادات الأمريكية التي تشعر اليوم باهتزاز عرشها وتراجع هيمنتها على العالم.
ترامب، الذي وضع نفسه وبلاده في مواجهة العالم، يعتقد أنه يعيد الهيبة لبلاده، بعد الفشل الذريع الذي منيت به السياسة الأمريكية في المنطقة وفي العالم.
ما يجب أن يبقى في الأذهان هو أن قراره يعطي فرصة تاريخية لكل القوى التي ترفع الصوت عالياً بوجه الولايات المتحدة، والقوى التي تواجه سياستها العدوانية بالقول أو بالفعل.. بالنية أو بالواقع، تعطيها فرصة سانحة لتوحيد صفوفها بعيداً عن مرجعياتها الإيديولوجية واصطفافاتها السابقة، حتى تؤسس لنقلة نوعية في التحالفات وبناء جبهة موحدة أساسها التنوع والاختلاف، بعد أن أعيدت البوصلة إلى تحديد العدو الأول للبشرية، بكشف ألاعيبه وممارساته المعادية للشعوب. فماضي الولايات المتحدة الأمريكية بكل ما يحمل من آثام وأثقال تضيف إليه حاضراً مخزياً عدوانياً لا يليق بدولة تعمل على قيادة العالم.
على الثقافة والسياسة، وكل القوى المستنيرة أن تعمل على وحدة الصف، والعمل المشترك الموحد الذي يستطيع وحده مواجهة الصلف الأمريكي، وتعالي قيادتها التي وجدت أفضل تعبير عن حماقاتها في شخص رئيسها ترامب، مع الحذر الشديد من احتمال أن يكون الهدف من القرار هو رفع السقف، ليصار لاحقاً إلى التراجع عنه مقابل تنازلات يقدمها الطرف الفلسطيني بالتخلي عن حق العودة والقبول بالتوطين، وبذلك تجد القوى المواجهة لقرار ترامب فعلياً وكلامياً، تجد نفسها مضطرة لسياسة التنازلات المريبة، التي أفضت لما نحن فيه اليوم، فالتنازل يقود إلى تنازل ثم إلى تنازل، وهكذا حتى لم يبق ما يمكن التنازل عنه.