بكين تحذر واشنطن من نزاع في بحر الصين الجنوبي

حذرت بكين واشنطن من مخاطر وقوع (نزاع) في بحر الصين الجنوبي، وأكدت حقها في إنشاء منطقة دفاع جوي فيه، رداً على قرار محكمة التحكيم الدائمة التي اعتبرت أن لا أساس لمطالب بكين. وكان جون كيربي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، أعلن في تصريحاته للصحفيين (الثلاثاء) أن رد الفعل الصيني على قرار هيئة التحكيم الدولي بشأن بحر الصين الجنوبي لم يكن مفاجئاً للولايات المتحدة.

ووصف وزير الخارجية الصيني قرار المحكمة بـ(مهزلة سياسية) قائلاً: (التحكيم، الذي يجري بمبادرة الفلبين، حول قضية بحر الصين الجنوبي هو مهزلة سياسية تحت ستار القانون، وملاحقة الفلبين في إطار هيئة التحكيم الدولي هي مخالفة لمبادئ (قواعد سلوك الأطراف في بحر الصين الجنوبي).

ورد كيربي على هذا التصريح قائلاً: (أعلن الطرف الصيني سابقاً عن نيّته عدم الاعتراف بقرار المحكمة قبل اتخاذه). ودعا كيربي جميع الأطراف إلى إبداء التحفظ في تصرفاتهم وتصريحاتهم. والقرار الذي أصدرته محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي الثلاثاء لم يصبّ في مصلحة بكين، ويعطي حججاً دبلوماسية كافية للفليبين التي رفعت الشكوى في قضية بحر الصين الجنوبي، وكذلك للدول التي تقع على شاطئ البحر وتعارض منذ زمن مزاعم الصين السيادية.

وردّت الصين الأربعاء 13 تموز بغضب، مؤكدة حقوقها التاريخية على المنطقة، وموجّهة تهديدات شبه صريحة لواشنطن. وقال ليو زنمين نائب وزير الخارجية الصيني: (لا تجعلوا من بحر الصين الجنوبي مهد حرب… قرار المحكمة ورقة صالحة للرمي)، وأضاف: (الصين تريد أن تجعل من منطقة البحر صداقة وتعاوناً ، لكن يحق لها فرض منطقة دفاع جوي في القطاع). وذكر زنمين أن إقامة بكين مثل هذه المنطقة التي سترغم الطائرات المدنية على التعريف بنفسها لدى المراقبين الجويين العسكريين، (رهن بمستوى التهديد الذي سنواجهه). وفي الولايات المتحدة أعلن السفير الصيني بوضوح عواقب هذا القرار، وقال كوي تيانكاي: (سيساهم ذلك بالتأكيد في تقويض أو إضعاف إرادة الدول لإطلاق مفاوضات أو مشاورات لتسوية الخلافات… كما سيساهم بالتأكيد في تكثيف النزاعات وحتى في المواجهة).

وكانت رئيسة الحكومة الفلبينية السابقة لبينينيو إكينو رفعت شكوى في 2013 إلى محكمة التحكيم الدائمة، بعد عام من سيطرة الصين على (سكاربورو)، وهو قطاع يقع في المنطقة الاقتصادية الحصرية للفلبين على بعد 650 كم من أقرب الأراضي الصينية، جزيرة هينان. وفي السنوات الأخيرة قامت الصين ببناء جزر اصطناعية عملاقة يمكن أن تنشر فيها بنى تحتية عسكرية ومدارج هبوط على جزر سبراتلي.

من جهته، صرح وزير خارجية الفيليبين برفيكتو ياساي لوكالة فرانس برس الأسبوع الماضي بأن (مانيلا ستستخدم قرار المحكمة قاعدة لإطلاق مباحثات مباشرة مع بكين للتوصل إلى مدوّنة سلوك بحرية). لكن الدول الغربية تزيد ضغوطها على بكين، باسم الحق في حرية الملاحة التجارية، التي تزيد قيمتها عن 4500 مليار يورو سنوياً، في هذه المنطقة. ويبدو أن التوتر العسكري تصاعد قليلاً، فقد أطلقت الصين تدريبات بحرية في شمال المنطقة، في حين أعلنت القيادة الأمريكية في المحيط الهادئ نشر حاملة طائرات لتعزيز (الأمن).

ما هي أسباب أزمة بحر الصين الجنوبي؟

بحر جنوب الصين هو بحر هامشي متجزئ من المحيط الهادي ، يشمل المنطقة من سنغافورة ومضيق ملقة إلى مضيق تايوان، ومساحته تقارب 3500000 كم2. تأتي أهمية هذا البحر من عبور ثلث الشحنات البحرية العالمية في مياهه، كذلك يُعتقد أنه يحتوي على احتياطات هائلة من النفط والغاز الطبيعي تحت رمال قاعه.

يقع بحر جنوب الصين:

* جنوب البر الصيني الرئيسي، متضمنا جزيرة تايوان شرقاً.

* غرب الفلبين.

* شرق شبه الجزيرة الماليزية وسوماترا، وصولاً إلى مضيق ملقة غرباً.

* الجهة الشمالية لجزر بانجكا – بليتونج وبورنيو.

يربط بحر الصين الجنوبي العالم البحري للشرق الأوسط بمنطقة شبه القارة الهندية بشمال شرق آسيا، ويساوي النفط القادم من المحيط الهندي عبر مضيق ملقا باتجاه شرق آسيا مروراً ببحر الصين الجنوبي نحو ثلاثة أضعاف الكمية التي تعبر من خلال قناة السويس، ونحو 15 مرة مقارنة بالكمية التي تعبر قناة بنما. أضف إلى ذلك أن نحو ثلثي إمدادات الطاقة لكوريا الجنوبية و60% لليابان و80% لتايوان تأتي عبر بحر الصين الجنوبي. وإضافة إلى مركزية الموقع الذي يتمتع به، يحتوي بحر الصين الجنوبي على نحو 7 مليارات برميل نفط كاحتياطي مؤكد، إضافة إلى نحو 900 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، فيما يعتقد الصينيون أن باطنه يحتوي على كميات من النفط تفوق أية منطقة في العالم باستثناء السعودية، وهو الأمر الذي إذا ما ثبتت صحته (هناك شكوك حوله)، فإنه يجعل منطقة بحر الصين الجنوبي بمثابة منطقة الخليج العربي.

تطالب الصين بالسيادة على معظم بحر الصين الجنوبي الذي تمر عبره تجارة بحرية يبلغ حجمها خمسة تريليونات دولار سنوياً. وتطالب بروناي وماليزيا والفلبين وفيتنام وتايوان أيضاً بالسيادة على مناطق بالبحر. أما الولايات المتحدة الأمريكية فتطالب بشكل روتيني كل الدول التي تتنازع على السيادة في المنطقة بوقف عمليات البناء في جزر سبراتلي، ولكنها تتهم الصين بتنفيذ عمليات على مستوى يفوق بكثير أي دولة أخرى.

وتوالي الإمبريالية العالمية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية محاولاتها لزعزعة الاستقرار العالمي عن طريق خلق بؤر توتر جديدة، وإحياء بؤر قديمة، مستهدفة الدول النامية الكبرى التي تصاعد دورها السياسي والاقتصادي، والتي تسعى إلى نزع هيمنة القطب الأمريكي الأوحد، باتجاه عالم متعدد الأقطاب، وفي مقدمة هذه الدول: الصين، التي برزت كقوة سياسية واقتصادية عالمية.

إن سلوك الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها حول مسألة بحر الصين الجنوبي تعد مثالاً على هذه المساعي الخبيثة، وذلك بتشجيع بعض حلفائها على خرق المدونة التي اتفق بموجبها الأطراف في بحر الصين الجنوبي، ووصلت إليها الصين مع دول رابطة جنوب شرق أسيا (أسيان) عام 2002 إذ لجأت الفيلبيين حليفة الأمريكيين إلى طلب التحكيم، لتأييد احتلالها غير الشرعي لبعض الجزر في بحر الصين الجنوبي.

المتحدث باسم وزير الخارجية الصيني أكد أن الصينيين سيدافعون على سيادتهم الوطنية وحقوقهم البحرية، كما أنهم سيعملون على المحافظة على الاستقرار في منطقة بحر الصين الجنوبي.

 

العدد 1140 - 22/01/2025