الحوكمة ما بين التنظير والواقع (2-2)
لذلك فإن تطبيق نظام حوكمة يستند بشكل أساسي على العديد من القوانين والنظم والإجراءات، مثل قوانين الشركات، وأنظمة أسواق المال والبنوك، وأنظمة المحاسبة، ومعايير المحاسبة الدولية، وقوانين المنافسة ومنع الاحتكار، وقانون حماية المستهلك، وقوانين الضرائب والعمل وحماية البيئة.
ومن الجدير بالذكر أنه لا يكفي أن تتم صياغة نظام متقن وقواعد شاملة للحوكمة، وإنما المهم أن تتحقق ممارسة هذا النظام بشكل فعال. وقد أظهرت الأزمة المالية والاقتصادية العالمية الأخيرة غياب الحوكمة حتى في الدول المتقدمة كممارسة على الرغم من وجود أنظمة متكاملة وقواعد شاملة.
فقد برهنت تلك الأزمة على وجود تقصير كبير في ممارسة الحوكمة وضعف الامتثال لأحكامها وغياب المعايير الأخلاقية في سلوك الإدارة.
ثالثاً- مزايا الحوكمة وفوائدها:
يتمتع نظام الحوكمة بالعديد من المزايا والفوائد حسب رأيهم من أهمها: تشجيع الاستثمار، والابتكار، واستقرار الأسواق المالية ونموها، وتخفيض المخاطر وتخفيض تكلفة رأس المال، وضمان المعاملة المنصفة لحملة الأسهم، وتعزيز الثقة والمصداقية، وإيجاد بيئة عمل سليمة، وضمان المشاركة والمساءلة والمحاسبة. وأخيراً بعد محاولة إعطائها إطاراً شاملاً أوسع من المؤسسات أضيف إلى مزاياها الرفاه الاجتماعي، والتنمية الاقتصادية.
رابعاً- مبادئ الحوكمة:
يستند نظام الحوكمة بشكل عام على مبادئ أساسية تحدد هيكل نظام الحوكمة، وهي:
أ) حماية حقوق حملة الأسهم: إذ تهدف الحوكمة إلى وضع إطار متكامل لحماية حقوق حملة الأسهم وضمان ممارستهم لها.
ب) العدالة والإنصاف: تهدف الحوكمة إلى ضمان المعاملة العادلة لجميع حملة الأسهم على حد، سواء بغض النظر عن عدد الأسهم المملوكة، وضمان حقوق الأقلية ومصالحها، بحيث يضمن النظام لجميع حملة الأسهم فرصة الدفاع عن حقوقهم.
ج) تحديد مسؤوليات مجلس الإدارة: يضمن هذا المبدأ الرقابة الفعالة على إدارة الشركة من قبل مجلس الإدارة من جهة، ومسؤولية مجلس الإدارة تجاه الشركة وحملة الأسهم من جهة أخرى.
د) تحديد دور أصحاب المصالح: يضمن نظام الحوكمة الاعتراف بحقوق أصحاب المصالح، وتحقيق التوازن والتوفيق فيما بينهم. وهم على سبيل المثال: المساهمون، والعاملون، والعملاء، والدائنون، والمجتمع الذي تعمل فيه الشركة بشكل عام. ويعتبر هذا المبدأ من أهم مبادئ الحوكمة. وإذا ما طبّق بشكل جيد فإنه يشكل مقدمة لضمان تطبيق المبادئ الأخرى، ولكن كما العولمة قد حاول المروجون الإيحاء بالبعد الاجتماعي وتوسيع المفهوم ليشمل المؤسسات الاجتماعية، متناسين التكوينات المختلفة بين البلدان وما ينجم عن هذه المفاهيم من اختلالات نتيجة فرض إصلاحات وهياكل تعقّد المشهد.
وحسب رأينا الحوكمة هي مستنسخ جزئي من العولمة، أو نستطيع القول إحدى أدوتها وأسلحتها الاقتصادية، التي تحتاج إلى بيئة معينة وشروط وظروف يجب أن تتوفر في البلدان التي تختلف ببناها تبعاً لمراحل النمو والتنمية وطبيعة تكوين الطبقات وشكل الحكم وهيكلية الاقتصاد، وليس كما يحاول البعض تسويقه كعلاج لمشاكل قائمة بعيداً عن الخصوصية التي يتمتع بها بلدنا سابقاً، والوضع الحالي الناجم عن حرب شاملة ساحقة دولية. وكلنا يعرف أنه في الأزمات والظروف الاستثنائية تتّخذ قرارات استثنائية، وفي البلدان الخارجة من الأزمات برنامج تنموي خاص يراعي الأولويات الضرورية لإعادة الانطلاق، وينطلق من برامج تستثمر الإمكانات أفضل استثمار بعيداً عن الحوكمة أو عولمتها التي كانت من أسباب التأزيم. وحسب رأينا أيضاً لم ولن يكون للعولمة وأدواتها أي هدف عالمي إيجابي إنساني، وما كان من إيجابيات شخصية استثمر من قوى الاستكبار لفرض الفوضى، وكذلك حوكمتهم التي لا تولي أهمية كبرى للعنصر البشري ولأسلوب تعيينه وهو الغاية والهدف. وإن مصطلحات كهذا برؤى وبرامج كهذه تزيد تعقيد مشاكلنا وإن كانت جزءاً ومدخلاً سابقاً لها ، فما طرح من إصلاح إداري في حال السير به وفق مبدأ القادة الإداريين النخبويين مدخل أساسي وهام لتقويض الفساد الناجم عن أهم سبب التعيينات غير المناسبة وإضعاف دور المؤسسات الذي قد يكون ناجماً عن تبني البعض لرؤى شبيهة بالعولمة و الحوكمة.
إن فرض القانون على الجميع وإعطاء دور أكبر وأوسع للمؤسسات في ظل ضعف وترهل الإدارات المدنية هو علاج ناجع وفعال، على عكس ما يصدّر لنا على أساس أنه علاجات وهي فاسدة تزيد المرض أو توجده إن لم يكن موجوداً.