ترحيب القاهرة بتحرير تدمر.. يعكس تغير سياساتها تجاه الأزمة السورية

 بدت مصر في مرحلة استلام الإخوان المسلمين إبان عهد الرئيس السابق محمد مرسي علامة فارقة في العلاقات السورية المصرية. إذ اعتمدت الإدارة المصرية وقتذاك استراتيجيات شديدة الانحياز، وتدخلية بكل وضوح، في الشأن السوري، تميزت بالاتفاق الصريح مع حكومة العدالة والتنمية في تركيا، وحركة حماس الإخوانية، على تغيير النظام في سورية بأي شكل من الأشكال.

وبدت الأطر السياسية السورية المعارضة خلال هذه الفترة، سواء كانت في الداخل (هيئة التنسيق) أو في الخارج (مجلس إسطنبول، وائتلاف الدوحة، واليساريون المنضوون تحت القرار الفرنسي والأمريكي)، ومدعومين من بعض الفئات الشعبية الداخلية، تميل إلى استجداء دور هام للإخوان المسلمين في مصر للقيام بدور انقلابي في سورية تحت الشعارات البراقة (للثورة) السورية. ولن ينسى أي مواطن سوري المهرجان الخطابي الشهير للسيد مرسي في أحد الملاعب المصرية عام ،2012 عندما حمل علم الانتداب السوري ودعا المصريين إلى (الجهاد) في سورية.

بعد سقوط الإخوان في مصر إثر انقلاب شعبي، لم تأخذ المسألة السورية منحى جذرياً عن سياسة إدارة محمد مرسي السابقة، لكن بالتأكيد تقلص تدريجياً حضور أطر المعارضة السورية في القاهرة، وتضاءلت رهاناتها على دور مصري متشدد تجاه نظام الحكم في سورية.

وبعد توتر الأوضاع الأمنية والعسكرية في شبه جزيرة سيناء، وتطور العمليات النوعية للميليشيات الإسلامية ضد الجيش المصري، بدأت رؤية جديدة تتبلور حول طبيعة العلاقة التي يجب أن تنتهجها الدبلوماسية المصرية مع المعارضة السورية. ومنعاً لأي تراجع في استراتيجيتها المعلنة تجاه إسقاط النظام في سورية، دخلت المملكة العربية السعودية على المقاربة المصرية نحو الأزمة في سورية، بإعلانها عن عدد من المبادرات الاقتصادية والمالية للحكومة المصرية، ومحاولتها التنسيق نحو تحالف معلن وتوافق كامل مع مصر في قضايا الشرق الأوسط ومن ضمنها الأزمة السورية.

وبما يتوافق مع مصالح السياسة السعودية في المنطقة، قامت الرياض بدعم مصر وإعطائها دوراً أكثر أهمية في العالم العربي، عبر الجامعة العربية وعبر الضغط الناعم على الجيش المصري للدخول ضمن قوات تدخّل عربية، وإسلامية، ونجحت جزئياً من خلال دفع الجيش المصري لدور عسكري متواضع في اليمن.

خلال عامي 2013 و2014 ورغم المواجهة الدبلوماسية الصريحة مع الدور التركي في العالم العربي، دخلت السياسة الخارجية المصرية بنوع من الانكفاء، عكست فيها مؤسسات الرئاسة والخارجية بشكل خاص، نوعاً من العطالة وصعوبة في الخروج من نهج الموقف العربي العام الذي هو بالنتيجة موقف المملكة العربية السعودية تجاه الوضع في سورية.

لكن مع بداية عام 2015 استجدت على الساحة الإقليمية مجموعة من العوامل الموضوعية، دفعت بالقيادة المصرية إلى إعادة تقييم جدية وواقعية لاستراتيجيتها المعلنة في سورية، أهمها: التطور الأمني الخطير في نشاط الفاشية الإسلامية في مصر، وتحولها نحو عمليات الاغتيال والتفجيرات، والانتقال بعملياتها الإرهابية من سيناء إلى الداخل المصري. أيضاً التشابه في الممارسة العنفية والأسلوب الإرهابي بين ما يجري في مصر وما يجري في سورية.

ووصلت القيادة المصرية إلى حقيقة أن هناك عدم تطابق عميقاً في المصالح الكبرى بين مصر والسعودية في ما يتعلق بمصير المنطقة العربية. ففي حين تعتبر السعودية أن الخطر الاستراتيجي الأكبر على العالم العربي وأولويتها المطلقة هي مواجهة إيران، لا ترى مصر أن هذه الأخيرة هي من أولوياتها. ورأت ضمنياً أن الرياض سوف تغرقها كما بقية العالم العربي في أتون قلاقل وتوتراتٍ، المنطقة العربية في غنى عنها.

وقد أعلنت القيادة المصرية مراراً وخاصة الجيش المصري أن مصر لا تسعى ولا ترغب أبداً في الانجرار إلى أي صراع في المنطقة يحمل صبغة طائفية. وظهر الموقف الحاسم والصريح أولاً من قبل الجيش المصري عبر المسألة السورية، عندما أبدى ارتياحه للعملية الروسية العسكرية الداعمة للجيش السوري، والمحاولات الإيجابية للقيادة الروسية إيجاد نوع من التقاطعات مع مصر في المسالة السورية، أيضاً ترحيبه الكبير عبر الخارجية المصرية بتحرير مدينة تدمر من (تنظيم الدولة الإسلامية).

لقد فتحت جملة التطورات العسكرية الروسية والانكشاف الدولي على موضوع الإرهاب، فتحت باب الدبلوماسية المصرية على مروحة أكثر اتساعاً للمعارضة السورية الداخلية، التي كانت تحتكرها منذ بدء الأزمة السورية (هيئة التنسيق الوطنية)،  وذلك من خلال فتح باب التواصل مع أطر واسعة من النخب القومية واليسارية والعلمانية من الداخل السوري، التي تأخذ موقفاً واضحاً من الفاشية الإسلامية والإسلام السياسي الممثل بالإخوان المسلمين، وتقدم صورة أكثر واقعية للقرار المصري حول الوضع في سورية. وهذا ما حصل، إذ رحبت بعض قوى معارضة الداخل بشكل خاص(جبهة التغيير والتحرير، وهيئة العمل الوطني) بدعوة الخارجية المصرية لانضمامها إلى اجتماعات (مؤتمر القاهرة  للمعارضة السورية)، التي كسرت بذلك احتكار المعارضة الخارجية وهيئة التنسيق، وأعطت صورة واضحة للإدارة المصرية عن صوت الداخل السوري.

العدد 1136 - 18/12/2024