المكتب السياسي للشيوعي السوري الموحد: استعادة تدمر تمهّد للقضاء على الإرهاب
التفاهم الروسي ــ الأمريكي انعكس إيجاباً في جنيف «إعلان الرميلان» لا يخدم حقوق المواطنين الأكراد
في زمن الحرب لا تترك مصائر الشعب لآلية السوق الحر
عقد المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري الموحد اجتماعة الدوري بتاريخ 3/29/،2016 وقدم الرفيق حنين نمر الأمين العام للحزب تقريراً سياسياً ناقشه الحضور وأدخلوا عليه بعض التعديلات وأقروه، وفيما يلي نصه:
صمدت الهدنة في سورية رغم بعض الخروقات، ونشطت المساعي الدولية التي تقودها روسيا بمشاركة الولايات المتحدة، تطبيقاً لقرار مجلس الأمن الدولي 2254 وتفاهمات فيينا 1 و،2 وتوحي مواقف المجتمع الدولي ببعض التراجع عن مواقف سبق أن أعلنتها بعض الدول الأوربية والولايات المتحدة تتعلق بمقام الرئاسة السورية، وبعض المسائل الأخرى.. وعزّزت زيارة كيري الأخيرة إلى موسكو ولقائه بالرئيس بوتين والوزير لافروف، فرصَ الوصول إلى تفاهمات حول سبل حل المسائل العالقة وإمكانية التركيز في جولة جنيف القادمة على الأمور الجوهرية.
كما أن حديث الرئيس الأسد إلى وسائل الإعلام الروسية، واقتراحاته الإيجابية بخصوص حكومة الوحدة الوطنية والدستور، والانتخابات النيابية، وكذلك الانتخابات الرئاسية المبكرة عند توفر الإرادة الشعبية، جاءت لتعزز المساهمة الإيجابية للحكومة السورية في إنجاح المساعي السلمية لحل الأزمة السورية، جنباً إلى جنب مع استمرار مكافحة الإرهاب الفاشي المتمثل بداعش والنصرة وحلفائهما الإقصائيين.
إن التطور السياسي والدبلوماسي الحاصل منذ أواخر العام الماضي لم يكن وليد ساعته، فالدخول العسكري الروسي إلى سورية في 30/9/2015 كان له أكبر الأثر في تليين الموقف الأمريكي، وفي قلب ميزان القوى لصالح سورية وحلفائها في المعركة. ويمكن اعتبار هذا الحدث بمثابة درس بليغ في كيفية الجمع الخلاق بين المسارين العسكري والسياسي، واستثمار السياسة لصالح الردع العسكري، واستثمار هذا الردع في صالح السياسي.
وبالتأكيد لا يمكننا القول إن المواقف الأمريكية المتغيرة هي حصيلة المتغيرات على الأرض في الميدان فحسب، بل لا بدّ من ملاحقة هذه المتغيرات أينما ظهرت، وخاصة في قراءة دقيقة لخطاب أوباما الأخير الذي يحوي على دلالات عميقة. فقد أكد ما سمي بعقيدة أوباما التي تعود في أساسها إلى خطابه في بداية رئاسته الأولى في جامعة القاهرة عام ،2009 إذ اعتذر عن عدم قدرته على تنفيذ مضمون هذا الخطاب وهو في الأشهر الأخيرة من حكمه، والانتخابات تفرض عليه تقديم بعض المواقف الجديدة للناخبين.
فقد قال إن أمريكا لن تشارك في أي حرب خارج أراضيها، وأعاد المناداة بالتعايش مع الحضارات الأخرى وخاصة الإسلامية، وأدان الإرهاب، وطلب من حكام دول الخليج أن يكفّوا عن دعم الإرهاب وتمويله، وأعلن أنه متفاهم مع الروس على حق الشعب السوري في اختيار مستقبله السياسي، واعتذر عملياً عن مشاركته العسكرية في غزو ليبيا.
والواضح أنه خطاب غير تقليدي، وهو يعكس فشل السياسات الخارجية الأمريكية وخاصة في منطقتنا.. لكن خطنا السياسي فيما يتعلق بالإدارات الأمريكية المتعاقبة يجب ألا يتغير من حيث المبدأ، فهي المركز الإمبريالي الأول في العالم، وهي عدوة الشعوب، والإخفاقات التي تعاني منها تعود إلى استيقاظ العالم وتحوله الفعلي إلى عالم متعدد الأقطاب، لا إلى تنامي الروح الإنسانية لدى الاحتكارات الأمريكية التي توجّه سياسة البيت الأبيض، كائناً من كان شاغله.
ميدانياً.. استعادة تدمر وانعكاساتها
أما على الصعيد الميداني، فالوضع يتقدم في صالح جيشنا العربي السوري على جميع الجبهات، من ريف اللاذقية إلى أرياف حلب وحماة ودمشق، وكان لانتصار تدمر أثر معنوي كبير، ويعدّ بمثابة حدث سعيد للبشرية، نظراً للمكانة التي تحتلها تدمر في التراث التاريخي والثقافي العالمي، وهو يفسح المجال لتصفية بقايا الإرهابيين في مناطق أخرى.
إن الواجب الوطني يستدعي دعم هذا الجيش الذي أثبت بسالة وقدرة حازت على ثقة الأصدقاء والحلفاء وأبناء الشعب.. ولاشك أن المساعدة الروسية كانت حاسمة، لكن، لولا ثبات الجيش السوري وصموده وروحه القتالية العالية لما تحققت هذه الإنجازات الهامة على طريق دحر الإرهاب وتحرير الأرض السورية، وإعادة السلام والأمان إليها، وإنهاء مآسي شعبها.
إن هذه التطورات لا تعني أن المعركة انتهت، فالإرهابيون لم يستسلموا بعد، وأمريكا المتورطة في دعم الإرهاب، بالتعاون مع أوربا، تفوضان تركيا والسعودية بمتابعة استنزاف سورية، رغم الإعلانات الظاهرة عن انخراط أمريكا في مكافحة الإرهاب، فهي لم تحسم أمرها بعد، وبقايا العملاء والدول الداعمة ومنظومة الإرهاب الدولي يتهيؤون لأساليب جديدة في استكمال تنفيذ مخططاتها في سورية والعراق وليبيا واليمن.
«إعلان الرميلان»..
وقد برزت مؤخراً مسألة إعلان المجتمعين في الرميلان عن التوجه نحو نظام فيدرالي، وقد كان هذا الإعلان مفاجئاً للجميع في الشرق والغرب، المعارضين وغير المعارضين، ونعتقد أن هذا الإعلان جاء في غير محله، وهو يعبر عن قصر نظر سياسي. إن حق تقرير المصير هو أمر مرتبط بمصالح الشعوب المعنية وبإراداتها أيضاً.. ولم نسمع أبداً عن اتحاد فيدرالي يقام بالإكراه ودون حد أدنى من المشاورات مع من سيجري الاتحاد معه. إن حقوق المواطنين الأكراد وغيرهم من مكونات الشعب السوري هي نفسها الحقوق العامة للمواطن السوري وفق الدستور.. ورغم وجود رأي يقول إن هدف هذا الإعلان هو الضغط على ديمستورا لإدخال الأكراد في جنيف، فإن الدخول إلى جنيف لا يمر عبر تغذية النزعات الانفصالية.
جنيف.. الحل السياسي أولاً
إننا الآن أمام مفترق طرق، فإما أن تسهل أمريكا الحل، بالضغط على عملائها المفاوضين في جنيف، للقبول بحل سياسي ينطوي على دعم وحدة سورية واستقلالها وطرد الغزاة والمرتزقة من أراضيها، وإجراء مصالحة وطنية شاملة تعقب مصالحات محلية تسودها روح التسامي والتسامح، وإجراء حوارات مع الذين انضموا إلى الفصائل المسلحة دون إدراك لطبيعة هذه الفصائل ودورها ومخاطرها، والاتفاق على إجراء تغييرات عميقة في أسلوب إدارة شؤون البلاد وفق منهج ديمقراطي تعددي، علماني، ووطني، وتقدمي أيضاً.
أو يعود القتال من جديد، على النحو الذي عرفناه خلال السنوات الخمس الماضية، ويستمر تهديد كيان الدولة السورية، والإجهاز على ما بقي من منشآتنا الاقتصادية ومرافقنا العامة والبنية التحتية التي بناها السوريون عبر عقود.
حول انتخابات مجلس الشعب
في 13/4/،2016 تبدأ عملية التصويت لانتخاب مجلس شعب جديد وفق الدستور، وقد أصبحت هذه العملية محل جدل إزاء الموقف السلبي الذي اتخذته بعض القوى المعارضة من هذه الانتخابات.
وهذا الموقف هو امتداد للمواقف السلبية واللا منطقية التي دأبت على اتخاذها منذ الإعلان عن البدء بالإجراءات الانتخابية، والتي لا تفيد إلا في عرقلة مساعي الحل السياسي التي تدور الآن في جنيف.
إننا نتطلع إلى أن تمثل هذه الانتخابات نقلة نوعية جديدة في طريق الإصلاح الديمقراطي، فالشعب يريد مجلساً يعبر عن مصالح الفئات المحرومة في المجتمع، ويريد منه التشدد في الرقابة على أداء السلطة التنفيذية، ولم يعد يقبل منها التهرب من مسؤوليتها وفق فكرة (كلانا في خندق واحد) التي استعملت لإضعاف المهمة الرقابية لمجلس الشعب.
إن كل ذلك يتطلب مجلساً يُنتخب وفق برامج يعلن عنها ليحاسب على ضوئها، كما يجب محاربة ظاهرة المال الانتخابي، وهو ما يخص بعض المرشحين الذين يستعملون الأموال للتصويت لهم. ورغم وجود سلبيات عدة في مجرى التحضير للانتخابات، مثل ضعف التنسيق والتعاون بين قوى الجبهة الوطنية التقدمية، ولكن ذلك يجب أن يتم تداركه في مرحلة التصويب.
تقصير الحكومة في مواجهة الغلاء والاحتكار
وفي الوقت الذي تبرز فيه إنجازات جيشنا الوطني الباسل في ملاحقته للإرهابيين، والتضحيات الكبيرة التي تقدمها جماهير شعبنا في الصمود خلف جيشها، تبرز أيضاً قصور المعالجات الحكومية للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. لقد أصبح تأمين المواطن للقمة العيش والدواء والدفء أمراً في غاية الصعوبة، بعد أن ارتفعت أسعار جميع السلع الأساسية والضرورية.
في جميع الحروب تعاني الشعوب من وطأة الحرمان وضغوط الحصار الاقتصادي، لكن المطلوب من الجهات الحكومية إيجاد الوسائل لدعم صمود الشعب، وعدم السماح باستغلال ظروف الحرب لتكديس الثروات والنيل من صمود الفئات الفقيرة والمتوسطة، التي تعد السند الرئيسي لجيشنا وبلادنا.في زمن الحرب، ينبغي عدم ترك الأسواق والأسعار لآلية السوق الحرة ، وهذه بديهية يعرفها الجميع.