نيازك المدارس الخاصة وشهبها.. الأقساط الحارقـة والثمن «جنائزي»

 صدأ وصدمة في آن معا هما عنوان الأيام الحالكة التي نالت من عقول الأهالي وأرواحهم وجيوبهم التي بدأت بالنفاد، على وقع ارتفاع الأقساط المدرسية الجنونية للمدارس الخاصة، فقد ازدادت الأسعار إلى الضعف في مدارس تعد رديفاً أساسياً للمدارس الحكومية، وإن اختلفت الآليات والمناهج عنها قليلاً.

 لا أحد ينكر أهمية المدارس الخاصة في رفد الطالب بعلوم إضافية، فالمناهج الإثرائية فيها تعد من الكنوز المعرفية الخالصة ليتمكن الطالب من توسيع مداركه وتحسين لغته الأجنبية منها تحديداً..

ولأن لكل زمان أبطاله وخارقيه فقد ظهرت المدارس الخاصة بحلتها المتجددة لتلبي طموح الأهالي في إشاعة جو من الرفاهية والدلال ملازماً لجوّ التعليم الموجه نحو اللغات الأجنبية خصوصاً، واستيفاء المنهاج الحكومي على أتمّ وجه عموماً، ولكن لكل هذا ثمن!!.. استغل أصحاب العقول الذكية هذه النوازع البشرية التي قد تكون سائدة في مجتمعنا، فخلقوا ما يمكن أن يسمّى (النعيم) المفقود في مدارس الدولة، فأفاضوه في المدارس الخصوصية على أشكال متعددة كحضور المسابح ضمن المدرسة الخاصة، وقاعات السينما، والحجرات الكبيرة المخصصة للألعاب والرسم والتلوين، والصفوف الحديثة المكيفة صيفاً شتاءً المزدانة بالألوان الطفولية وما يتبع كل ذلك من لباس خاص غالي الثمن، فمنه للشتاء ومنه للصيف، وأحذية من ماركات معينة ولكأن المرء في فندق يقدم له كل الخدمات الترفيهية، ولكن الثمن باهظ وغال ومرهق..

وعلى قدر ما تحتوي المدرسة الخاصة من نيازك وشهب وضاءة تتجسد بالرفاهيات والمغريات الآنفة الذكر، يكون القسط كبيراً وحارقاً في قلوب الأهالي وجيوبهم. فلقد وصلت الأقساط في بعض المدارس الخاصة الدمشقية، كمدرسة القرية الصغيرة والمدرسة الوطنية إلى ما يقارب 650000 ليرة سورية ؟؟ أما في مدرسة الأمجاد الخاصة في جديدة عرطوز فالقسط يقارب 160000 ليرة سورية، مع المواصلات. وفي مدرسة بناة الأجيال تراوح القسط بين 140-160 ألف حسب المرحلة التعليمية، وفي مدرسة الأوائل يتراوح القسط بين 175و200 ألف ليرة، وهنالك بعض المدارس التي يزيد قسطها عن 300 ألف ليرة سورية.

يقول بعض الأهالي إن التراجع التعليمي في مدارس الدولة هو ما يجبرنا على إرهاق حياتنا بأقساط المدارس الخاصة، وعلى الرغم من الجهود الكبيرة المبذولة من قبل الحكومة السورية لاستمرار العملية التربوية رغم ظروف الحرب وتدمير المدارس إلا أن الضغط الكبير المتجسد بالأعداد الطلابية في الصف المدرسي الحكومي وغياب الضمير المهني لدى بعض المعلمين المتجلي بعدم إعطاء الدرس بالشكل المطلوب طمعاً في ترغيب الطالب في الدروس الخصوصية، كل هذا أجبر بعض الأهالي على التوجه نحو المدارس الخصوصية التي تستقدم خيرة المعلمين وتدفع لهم رواتب مغرية فيتحقق وقتئذٍ الشرح الكافي للطالب الذي يرغب بالتحصيل العلمي ودخول الجامعات من أوسع أبوابها.. فالموضوع عند البعض ليس فقط للتفاخر والتباهي بل لضمان مستقبل علمي واعد للأبناء مشروط بالمعدل العالي جداً لدخول الكليات الجامعية، الذي تحققه المدارس الخاصة من حيث استقدام المعلمين المتمكنين من المنهاج والمستبسلين لإيصال الفكر وتقديمها على طبق من ذهب لجيل يدفع الغالي والثمين ليحجز مقعداً في الجامعات لا يضاهيه فيه أحد.

الا أن استغلال حاجة الناس إلى المدارس الخاصة دفع بأصحابها إلى التحليق عالياً في الأقساط، وهذا غير مقبول وغير مبرر وخاصة أننا في زمن صعب لا مثيل له إلا النار المشتعلة في الجيوب والقلوب واستكمال مشهد الحرب الموجع..

العتب كل العتب على من يتجاهل الظروف المادية الصعبة فيفرض واقعاً ابتزازياً غير جدير بالنفس السورية الأبية، العتب الأكبر على وزارة التربية التي تغض النظر عن ممارسات أصحاب المدارس الخاصة وعن أقساطهم الجنائزية الجهنمية. فأين أنتم يا مفتشي وزارة التربية؟ فلتفتشوا عن الأرقام الفلكية غير المبررة لتلك الأقساط، ولتخالفوا من خالف التعليمات الصريحة لوزارتكم. العملية التربوية يجب أن تستمر رغم كل الظروف والعوائق، فلا تجعلوا من اتخذ هذه العملية النبيلة في تعليم الأجيال يسير بها نحو تجارة مثمرة في قطف الثمرات الذهبية، كرمى لبعض المظاهر الترفيهية غير المبررة في زمن الحرب! أوقفوا التجارة بالتعليم وأوقفوا التبجح بالمظاهر الفارغة ولنستغل كل تلك الأموال المهدورة قصداً، وتوجيهها نحو إعادة إعمار الإنسان السوري وإعادة إعمار المدارس المهدمة بعد انتهاء الحرب…

العدد 1140 - 22/01/2025