حكومة استثنائية..تستدعيها المرحلة
بعد أيام ستتحول حكومتنا إلى حكومة (تصريف أعمال)، وبانتظار تشكيل حكومة جديدة، نتوقعها موسعة.. وتضم الطيف الوطني الواسع، وتستجيب لمتطلبات الجهود الدولية السلمية لحل الأزمة السورية. فإن مهامّ جساماً تنتظر هذه الحكومة بعد مضي سنوات خمس على أزمتنا الكارثية التي تهدد كيان وطننا، وسلامة أراضيه، وانسجام مكوناته الاجتماعية، والتي أسالت دماء أبناء شعبنا.. وهجّرتهم إلى الخارج والداخل.. وأفقرتهم.
فمن الناحية السياسية نؤكد أهمية سهر الحكومة الجديدة على المساهمة في إنجاح الجهود الدولية السلمية لحل الأزمة السورية على قاعدة مكافحة الإرهاب، والعمل على ملاقاة الجهود الدولية بإجراءات في الداخل تؤسس لخلق مناخ المصالحات الوطنية الشاملة، ومتابعة معالجة القضايا الإنسانية في جميع المناطق، وعقد الحوار الوطني الشامل الذي يضم جميع مكونات الشعب السوري السياسية والاجتماعية والدينية الوطنية، بهدف التوافق على إنهاء الأزمة..ورسم ملامح سورية الغد الديمقراطية..العلمانية.
الحكومة الجديدة مطالبة بتطبيق القوانين السياسية الإصلاحية، وخاصة الدستور التعددي، ومنع التعدي على نصوصه المتعلقة بضمان الحريات، ووقف التجاوزات الأمنية التي تحد من حقوق المواطن السياسية والاجتماعية،والسعي كي تصبح الممارسة الديمقراطية نهجاً دائماً لعمل جميع الهيئات والسلطات الحكومية،وإطلاق سراح جميع معتقلي الرأي،والموقوفين على خلفية الأزمة، ممن لم يتورطوا بقتل السوريين،والسعي الجدي لتحقيق المصالحة الوطنية بين أطياف ومكونات المجتمعات المحلية التي تضررت.. ونزفت بسبب الإرهاب..والعنف والتصعيد العسكري.
لقد أدت العقوبات الاقتصادية،والابتزاز الذي تمارسه الولايات المتحدة والدول الأوربية على المؤسسات والهيئات التجارية والمالية الدولية،إضافة إلى حصاد السياسات الاقتصادية النيوليبرالية في العقد المنصرم إلى ركود اقتصادي أصاب جميع القطاعات الاقتصادية المنتجة،وإلى تدني قيمة العملة الوطنية، وانخفاض واضح في حجم الصادرات والواردات على حد سواء.
إن هذه التداعيات الأمنية والاقتصادية الخطيرة انعكست على الأوضاع المعيشية للمواطنين السوريين،ففقد عشرات ألوف العمال في القطاع الخاص المنظم عملهم،وأعداد كبيرة أيضاً في القطاع الخاص غير المنظم،وتراجعت القيمة الحقيقية للأجور بنسبة تتجاوز 70%، بعد ارتفاعات متتالية لأسعار جميع المواد المحلية والمستوردة،وتَحَكَمَ أثرياء الحروب والأزمات بالأسواق السورية بفضل القوانين التي سُنت في السنوات الماضية لشرعنة اقتصاد السوق المحرر من جميع القيود،وباتت الطبقة العاملة والفلاحون الفقراء والمتقاعدون وجمهور الشباب أكثر الفئات تضرراً،مما يستدعي تدخلاُ سريعاً وفاعلاُ على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.
نحن لانتوقع أن تأتي الحكومة الجديدة بالمعجزات،لكن حسب اعتقادنا فإن الخطوات التالية نراها ضرورية لمعالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية:
1 – العمل بجدية وإخلاص على دعم المبادرات السلمية في الداخل والخارج لحل الأزمة الســــــــــورية عبر الحلول السياسية، فتوافق السوريين وحده هو الذي يفتح الطريق أمم وقف المآسي التي أدمت السوريين وهدمت إنجازاتهم، وهذا ما يمهد الطريق أمام إنهاض الاقتصاد السوري.
2 – مراجعة السياسات الاقتصادية التي أدت إلى تراجع نشاطنا الصناعي والزراعي والحرفي، وأضعفت إلى حد كبير دور الحكومة في العملية الاقتصادية، وتركيز عمل الحكومة الجديدة على وضع سياسات واضحة موجهة لتلبية مصالح الأكثرية الساحقة من الشعب السوري.
3 – قيادة عملية إعمار سورية ضمن خطة مركزية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المخططة والمتوازنة،بالمشاركة مع الرساميل الوطنية المنتجة بالاستناد إلى صيغة التعددية الاقتصادية، وتوجيه الاستثمارات الحكومية والخاصة نحو المشاريع التي تخدم خطة التنمية، والتركيز على المشاريع الحيوية الكبرى التي تنعكس على القطاعات الاقتصادية المختلفة، وعلى الأوضاع المعيشية والاجتماعية للمواطنين بآن معاً، كمشاريع الطاقة الكهربائية، ومشاريع المياه،ودعم وتطوير القطاع العام الصناعي،وعودة الحكومة إلى التدخل الفاعل في العملية الاقتصادية استثماراً وإنتاجاً وتسويقاً،والعودة إلى سياسة الدعم الحكومي المتعدد الأشكال للفئات الفقيرة والمتوسطة.
4 – وقف جميع أنشطة الحكومة.. وموازناتها المخصصة للقطاعات غير المنتجة.. والريعية.. والتي يمكن تأجيلها.. والتي لاتتناسب مع الأوضاع التي تمر بها البلاد.
5 – تخصيص موازنات القطاعات غير المنتجة، والإيرادات العامة المتوقعة حصراً لتأمين المساعدات الضرورية للقطاعات المنتجة وخاصة الصناعة والزراعة، وسد احتياجات الجماهير الشعبية من السلع الأساسية.
6 – إخضاع المصرف المركزي لرقابة الحكومة المباشرة، فالسياسات النقدية يجب أن تتماشى مع المعالجات الاقتصادية للأوضاع الراهنة.
7 – وقف استيراد جميع السلع باستثناء المواد الأساسية لمعيشة المواطن ومستلزمات الإنتاج.
6 – مكافحة الهدر الحكومي.. والبذخ.. والفساد، بجميع أشكالهم وتجلياتهم.
7 – منح الدعم والتحفيز للاستثمارات والشركات الصغيرة والمتوسطة، التي تشكل نحو 85% من الفعاليات الاقتصادية في البلاد، وتولد مابين 60- 80 %من فرص العمل، وتوجيه الشركات الكبيرة نحو المشاريع الإنتاجية الكبيرة، لا إلى المشاريع الريعية.
8- رفع سوية الخدمات الاجتماعية الحكومية المقدمة للفئات الفقيرة والمتوسطة، كالتعليم والصحة والضمان الاجتماعي، وإعادة توزيع الدخل الوطني وفق مبدأ العدالة الاجتماعية وتطبيق سياسة عادلة للأجور، تأخذ بالحسبان تناسب الأجر مع المستوى العام للأسعار، مما يؤدي إلى تحفيز الطلب على السلع، خاصة في المرحلة الحالية، ويسرّع في تجاوز مرحلة الركود.