القفز فوق القانون
إن حالة أهم مؤسساتنا العلمية والإدارية باتت تشبه مستنقعاً لمياه راكدة لا يحرّكها سوى فقاعات ناجمة عن ضفادع تنتقل من مكان إلى مكان، ولا فعل لها أكثر من صوت النقيق!
فالمراقب لمعظم مؤسساتنا العلمية والإدارية يرى تهميشاً -بل إلغاءً في بعض الأحيان- للمتخصصين، وإحلال أشباه المختصين وعديمي الكفاءات أحياناً مكانهم، مما يعود بأسوأ النتائج على العملية التنموية ويؤثر سلباً على حالة الصمود ضمن هذه الظروف الصعبة.
دوائر السيطرة على القرار العلمي في الجامعات، لا ترحّب إلا بنمط واحد من الكوادر الذي لا يرون فيهم منافسين علميين، ولا يقف الأمر في التعليم العالي عند اختيار الكوادر فهناك أوبئة أكثر انتشاراً لم تجد لها الوزارة وكوادرها المختصة حلولاً، منها هروب الكثير ممن أوفدتهم الوزارة مسبقاً للدراسة في الخارج على حساب الدولة من دون أن ينهوا خدمتهم في الدولة، وجامعة حلب خير دليل على ذلك، فكم تحصل التعليم العالي إيرادات للدولة لو طالبت هؤلاء بدفع ما يترتب عليهم من مستحقات للدولة ، كذلك موضوع دكاترة الجامعات الحكومية الذين تركوا مهمتهم في تدريس الطلبة ليحاضروا في الجامعات الخاصة برواتب مغرية مع أنهم يحصلون على راتب من الوزارة وهذا مخالف للقانون، وجامعة تشرين خير دليل على ذلك ، وماذا عن الشهادات غير المرخصة أصولاً والتي جعلت البلد يضج بالدكاترة المصطنعين الذين لا يفقهون من الأبجدية سوى الواو؟
أما في الإعلام فيصعد إلى دوائر القرار من لا يمتلك الخبرة والتجربة والسيرة العملية المناسبة، بل إنه في أحدث الأمثلة نرى بعض كبار المسؤولين الإعلاميين ممن لم يكن لهم لا صولة ولا جولة في العمل الإعلامي ولا حتى القدرة على كتابة مقالة أو الإدلاء بتصريح أو تحليل أو تعليق على خبر.. ومن ناحية أخرى نرى المتخصصين والممتهنين الحقيقيين من الإعلاميين القديرين وقد انزووا في مكاتبهم بلا حول ولا قوة ولا حتى القدرة على مناقشة قرار سوى بالهمس غير الإيجابي ، فالقرار في الإعلام ليس للوزارة واتحاد الصحفيين فيه كلمة ، ويكفي أن يكون هناك قرار أشخاص لا يفقهون فك الحرف بإغلاق مواقع إعلامية وطنية تطرح هموم الشعب بواقعية وتطالب بالحلول دون أن تلمع للمسؤول وتمنحه كأس الفوز بالحلول متناسين أخطاء فادحة تحصل كل يوم على شاشاتنا، فالمسافات مثلاً تقاس بالكيلو متر المربع كما حصل على إحدى الشاشات المحلية، فضلاً عن عدم التمييز بين البلدة والمدينة والمحافظة…! لينتهي توزيع الفائض الإعلامي للهيئة بفضح أوراق كثيرة وصلت إلى مجلس الوزارء الذي صرح رئيس مجلسه بفتح تحقيقات في ملفات كثيرة للفاسدين.
أما في وزارة الثقافة، فلم نعد نسمع بعروض مسرحية ذات قيمة ولا أعمال سينمائية لجميع من يمتلكون الحق في إنجازها ودعمها، وفي بعض الحالات فنحن في مجال موسيقا الثقافة نرى قادة أوركسترا بلا خبرة ولا مقدرة أحياناً على تركيب جملة موسيقية!!!.
وفي مجال الآثار والمتاحف فلا شك أن محاربة المختصين قد بلغت مبلغاً عظيماً، فأهم المختصين بعصور سورية القديمة هم خارج دائرة القرار العلمي الذي تُرك لبعض من يدّعون التخصص، ولمن يمارسون إجراءاتهم بالقوة، ويكفي أن نذكر مصيبة تجميع المهام بأيدي أشخاص محددين، وعلى سبيل المثال لا الحصر فموضوع النشر سُلّم معظمه لشخص واحد نرجو أن يتعافى من مرضه الذي يؤثر على المصلحة العامة وطبيعة العلاقة مع الباحثين.
تصريحات وزارات الخدمات المعيشية التي لم تستطع حتى اليوم هيكلة كوادرها وإعدادها وتنميتها بما يخدم المصلحة العامة ومصلحة الشعب الذي دفع ثمن الحرب وحده لم تعد تلقى سوى الاستهزاء لتتحول نكات مضحكة للبعض عبر وسائل التواصل الاجتماعي الذي لم تستطع الحكومة توقيفه، لتستر ماء وجهها بعد موجة التصريحات الأخيرة بحلول الأزمات المعيشية التي أوقفت الحياة بشكل كامل، فلا كهرباء ولا وقود ولا ماء، والمواطن ملّ الوعود ولم يتحقق منها شيئ، فالتوزيع الإداري كالمرات السابقة لا يناسب حجم الأزمات ليكون الوقع أسوأ من سابقه، فتكرار الخطأ قاد الجميع إلى كارثة مجتمعية لا نعلم إن كانت الحكومة تملك حلولها بإعادة المختصين من أصحاب الخبرات لبستفاد من مقترحاتهم ودراساتهم.
لأن الطرق التي تجري بها محاربة المختصين خارجة عن القانون وتتغلب فيها المصالح الشخصية على العلم والقانون، وكثيراً ما يُبتلى المختص بتزوير سيرته وتشويه صورته بشكل رسمي دون إثباتات من الواجب على مجلس الوزراء طلبها وطلب أصحاب العلاقة، أما مجلس الوزراء فقلعة حصينة لا يمكن مراجعة بعض المسؤولين فيه.
حالة مؤسفة وصلت إليها إداراتنا، أما ذوو القرار في مجلس الوزراء فلا يكترثون لتحقيق صحافي أو نداء عقل، وكأنهم آلهة في زمن العبيد والاستعباد.
وختاماً، تستمر حالة الضفادع في الإدارات، فالقفز إلى المناصب فوق القانون على أشدّه، وبالتالي فلن نسمع سوى النقيق!
فكيف تريدون من هذه الإدارات أن ترتفع إلى مستوى تضحيات شعبنا..وجيشنا الوطني؟؟؟