المكتب السـياسي للحزب الشيوعي السـوري الموحد: المرحلة القادمة جوهرها طرد الإرهاب والحفاظ على كيان الدولة السورية

 مصالحات وطنية شاملة 

تطبيق للدستور والقوانين وتلبية متطلبات الصمود 

حل المعضلات المعيشية والاجتماعية

 عقد المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري الموحد اجتماعه الدوري بتاريخ 25/6/،2016 بحضور رئيس اللجنة المركزية الرفيق نبيه جلاحج، وناقش الاجتماع الأوضاع الراهنة، وبعض المسائل الحزبية، واستمع إلى تقرير سياسي قدمه الرفيق حنين نمر، الأمين العام للحزب، وأقره بعد إدخال بعض الملاحظات، وهذا نصه:

لم يصل مستوى التوتر في العلاقات الدولية إلى المستوى ذاته الذي وصل إليه اليوم، منذ 25 عاماً إثر انهيار المعسكر الاشتراكي، إذ اعتقد كثيرون أن الحرب الباردة قد انتهت وأن النصر الأبدي قد عُقدت ألويته للمعسكر الإمبريالي العالمي وطليعته الولايات المتحدة الأمريكية.

ميزان القوى متأرجح

إن القراءة الخاطئة للوضع الدولي وآفاق تطوره قد تسببت بالكثير من المآسي والهشاشة والتوتر والأزمات، فالذين اعتقدوا أن الرأسمالية هي مستقبل البشرية، وأنه لن تقوم قائمة لسواها من الأنظمة، قد أصيبوا بخيبة أمل شديدة أمام حركة رد فعل قوية اجتاحت العالم ضد عودة نظام الاستعمار والاحتلال والإلحاق. وفي الوقت ذاته، وأمام خوف هذا النظام من تبديد أحادية سيطرته، فقد حشد كل قواه لإيقاف رد الفعل الاستقلالي والتقدمي للشعوب، ووضع كل ثقله لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء.

إن النقطة التي وصلت إليها حالة التناقض هذه ما بين الحركة المناهضة للهيمنة الإمبريالية، وردّ الفعل الإمبريالي على نهوضها، إنما تمثل درجة متقدمة، ولكن ليست نهائية في عملية الصراع الجاري. صحيح أن الحركة الثورية في العالم أحرزت العديد من المواقع المتقدمة، ولكن الصحيح أيضاً أن الإمبريالية لا تزال قادرة على استرجاع مواقع عديدة أو اكتساب مواقع جديدة، وهكذا فإن ميزان القوى يتأرجح يمنة ويسرة، كما أن حروب المواقع بما فيها من مكاسب للشعوب، أو خسارة لها، إنما هي عملية مستمرة، وكذلك الأمر فيما يتعلق بالتوترات الدائمة والمتنقلة.

لقد فتحت أزمتا أوكرانيا وجزيرة القرم الباب أمام تسخين الجو الدولي، وكان من نتائجها خسارة روسيا بعض أجزاء من أوكرانيا، واستعادة جزيرة القرم من ناحية أخرى. وإذ نصب حلف الأطلسي منظومات متتالية من الأسلحة الاستراتيجية في العديد من الدول بالقرب من روسيا، ردّت عليه روسيا بإنشاء محطات للصواريخ القتالية في مواجهة تلك القواعد، مع ما رافق ذلك من توترات وتهديدات متبادلة.

فتحت الولايات المتحدة مؤخراً ملف الجزر المتنازع عليها في بحر الصين، فتوترت العلاقات الصينية – الروسية من جانب، والأمريكية من جانب آخر.. كذلك فإن الحروب الاقتصادية على أشدها، وهي تأخذ مجريين، الأول هو مقاطعة روسيا ومعاقبتها اقتصادياً، والثاني هو التناقضات الأوربية – الأوربية، التي انفجرت منذ أيام  بموافقة معظم البريطانيين، في الاستفتاء الذي جرى، على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي، وهو ما يعكس شدة الأزمة العالمية للرأسمالية. ويمكن إدراج التناقضات حول انخفاض أسعار النفط العالمية ضمن هذا الإطار، وكذلك حرب السندات المالية السعودية المودعة لدى المصارف الأمريكية، فهي تشكل قنابل موقوتة قد تنفجر في قلب الاقتصاد الأمريكي.

في سورية.. الصراع الأهم

وتبرز أزمة الشرق الأوسط والحرب على سورية كأهم تناقض وصراع يشهده العالم في وقتنا هذا، ويمثل الصراع الاقتصادي مؤشراً على امتداد الصراعات الدولية، ذلك أن من الأهداف المباشرة التي تسعى الولايات المتحدة لكسبها من وراء انخراطها المكثف في هذا الصراع هو توسيع دائرة الأسواق التي تتعامل بالدولار، أمام احتمال خروج بعض الدول الكبرى كالصين وروسيا عن دائرة الدولار لصالح بعض العملات الأخرى كالروبل والين، إذا جرى تفعيل اتفاقية بريكس ومعاهدة شنغهاي اللتين تضمان الهند والصين وروسيا وغيرها.

إلا أن الجانب الاستراتيجي والسياسي والعسكري للصراع الدائر في الشرق الأوسط وعلى سورية خاصة، يبقى هو الأهم ويتعلق بالسيطرة على أجزاء هامة من العالم، وعلى النفط والغاز، وحماية إسرائيل وتنفيذ المشروع الصهيوني.

مؤامرات.. والتدخل الأخطر

منذ الخمسينيات ومباشرة بعد الاستقلال أدركت الولايات المتحدة أهمية سورية استراتيجياً وسياسياً، وتأثير تركيبها المتنوع على الطبيعة الديموغرافية للشعوب العربية، وكلنا يذكر دوامة المؤامرات الأمريكية على سورية آنذاك، فبعض منفذيها ما يزالون أحياء ويساهمون مع الرجعية السوداء في تمزيق الوطن السوري.

وعندما تمكنت الفئات الظلامية في الداخل والخارج من استلام دفة القيادة للحركات الاحتجاجية التي تسترت وراء بعض المطالب المشروعة، أصبحت الولايات المتحدة أكثر جهوزية لتوسيع دائرة تدخلها في سورية، وبدا صوت السلاح هو الصوت الوحيد المسموع في سورية ابتداء من أواخر عام ،2011 وتكوّن تحالف جديد عدواني مسلح مؤلف من تركيا والسعودية وقطر والفصائل الإرهابية المسلحة، برعاية أمريكية. وبإعلان سورية أرضاً للجهاد العالمي، تدفق عشرات الألوف من الإرهابيين إلى سورية، ومارسوا أبشع أنواع التنكيل بشعبنا على النحو الذي صار واضحاً للقاصي والداني في العالم. وبصمود جيشنا وشعبنا صموداً مشرفاً أخذت تتوسع دائرة التدخلات الإرهابية والاستعمارية وكل القوى الرجعية السوداء، وأخذت المعركة طابعاً دولياً بعد تزايد صلابة الموقف الروسي- الصيني والإيراني سياسياً، ثم تطوره نحو زيادة الدعم التسليحي واتخاذه شكلاً متطوراً في 30/9/2015 بدخول الطيران الروسي في المعارك وتوسيع البنى التحتية لهذا الدعم.

ويمكن القول إن الصراع كان وما يزال صراعاً بين محورين: روسيا، إيران، سورية، حزب الله، تسانده الشعوب العربية الطامحة للخلاص من الإرهاب وبناء أوطانها على أسس ديمقراطية وعلمانية،  في مواجهة محور أمريكي سعودي تركي، وأوربي جزئياً، مدعوم من قوى الظلام والتخلف والحرب.

لقد اشتد الصراع المسلح عنفاً طيلة السنوات الخمس الماضية، ودون الدخول في تفاصيل المعارك الميدانية التي يتابعها كل مواطن سوري، يمكن القول إن ميزان القوى يميل بشكل عام لصالح محور الدفاع عن سورية واستقلالها دون أن تتحقق عمليات الحسم التي يبدو أن تأمين عواملها غير متوفر بعد، وأهمها إغلاق المعابر التركية التي يتدفق منها السلاح والمقاتلين بالألوف.

إنجازات.. ضغوط.. التباسات

لقد حصلت في الآونة الأخيرة إنجازات عسكرية هامة في مختلف المحافظات السورية، وضاقت مساحة وجود الإرهابيين، وبدؤوا بالهروب والتهيئة لحروب العصابات المتنقلة، ولما جرى التضييق عليهم في ريف حلب والمدينة التي وضعت خطة لتحريرها، تدخلت الولايات المتحدة بشكل فاضح لإعاقة هذه العملية، وضغطت على الجانب السوري عبر الأصدقاء الروس، وكانت الاستجابة مبنية على أساس الحيلولة دون تخريب عملية دي ميستورا السياسية وتنفيذ بعض المطالب السورية والروسية حيال المسلحين وتمركز مواقعهم وغير ذلك، ولا يزال موضوع حلب معلقاً بانتظار عودة جنيف إلى الانعقاد.

وغير بعيد عن ذلك معارك الرقة ومنبج ودير الزور.. إن جيشنا العربي السوري يخوض غمار معركتي الرقة ودير الزور بكل بسالة رغم الظروف الصعبة التي يقاتل فيها.

إن مسألة منبج مرتبطة بالعلاقات المزدوجة والمتشابكة للأمريكيين مع كل من قوى الحماية الذاتية وداعش، ويبدو أنها قد تحسم خلال أيام حسب تصريحات القيادات على الأرض. وهناك تساؤلات عديدة حول موقف الفصائل الكردية المختلفة من الأحداث الراهنة في منبج والرقة، وخاصة ما يتعلق بمستقبل القضية الكردية.

حقوق الأكراد.. حقوق السوريين

لقد أعلن حزبنا منذ زمن بعيد أن الأكراد السوريين هم أبناء أصيلون لسورية، فيها ولدوا وفيها يعيشون وفيها سيبقون إلى أبد الآبدين، ولهم ما للعرب السوريين من جذور ومن حقوق ثقافية واجتماعية واقتصادية وديمقراطية، وهم لن يفرطوا بذرة من أرض الوطن، وعندما يقاتلون إلى جانب الجيش العربي السوري فهم يقاتلون لاسترجاع الأرض التي تدنسها عصابات داعش.

وقد أكدت وحدات الحماية الذاتية رفضها لمبدأ الانفصال عن سورية أو تكوين اتحاد فيدرالي أو كونفدرالي مهما كلفهم الأمر.

جنيف وتوازن القوى

أما عن العملية السياسية التي بدأت منذ عدة سنوات دون الوصول إلى نتائج حتى الآن، فهي في آخر الأمر تحكمها عملية توازن القوى بمعناها الواسع وعلى الصعيدين الداخلي والخارجي على حد سواء، فعندما يحقق جيشنا الوطني إنجازات على الأرض تضطر أمريكا للتراجع سياسياً وتتراجع معها مواقع الفصائل المسلحة والمعارضة، وقد تبدي بعض هذه الفصائل تعنتاً واختلافاً عن الموقف الأمريكي، ولكنها في نهاية المطاف تضطر للتراجع عن مواقفها باعتبار أن الكلمة النهائية لأمريكا، التي تبدو مرتبكة بعض الشيء بسبب حساباتها الخاصة بها كالعلاقة مع السعودية أو مع تركيا، وربما تدخل حسابات المسألة الأوكرانية في قلب المعادلة، وكذلك العلاقة الحذرة مع روسيا أو الصين، أو حالة داخلية مؤثرة كالانتخابات الرئاسية التي تتسم فيها السياسة الأمريكية بالمناورة والخداع والمماطلة، ما يجعلها في نهاية الأمر تمارس سياسة إطالة عمر الأزمة واستنزاف سورية وشعبها وجيشها واقتصادها، مع استمرار الإمساك بورقة الإرهابيين، باعتبارهم القوة المسلحة الضاربة المسلطة على سورية وجيشها وشعبها.

لقد تجمدت جهود دي ميستورا بانتظار تشكيل وفد موحد للمعارضين.. وعودتهم إلى المحادثات السورية – السورية ، وتنفيذ بعض الشروط التي طالب الجانب السوري بها، ومنها الفصل بين المجموعات الإرهابية و(المعارضة)، وتحديد حدود جبهة النصرة التي لم يعد الأمريكان يعتبرونها منظمة إرهابية، بل فصيلاً من الثوار، وهذا خرق كبير لمجموع العملية السياسية وخاصة لقرار مجلس الأمن ،2544 كما لا يزال الأمريكان مصرين على تجزئة المعارضة بدلاً من توحيدها، ويصرون على اعتبار وفد الرياض هو المتكلم بلسان المعارضة ككل، ويترافق كل هذا التعنت مع تدفق شديد للأسلحة عبر تركيا، ومنها أسلحة أمريكية متطورة، واشتراك ضباط أتراك وفرنسيين في قيادة المعارك في شمال سورية.

إن ذلك كله قد أوصل العملية السياسية إلى نقطة الجمود وإلى عدم القدرة على تحديد موعد لاستئناف نشاط دي ميستورا.

ومع عدم إمكان توقع إيجاد مخرج من هذا الوضع الغامض على الأرض، وفي أروقة الدبلوماسية السياسية على حد سواء، نميل إلى الاعتقاد بأن الأمور تسير نحو إطالة عمر الأزمة واستمرار النـزف المسلح والنـزف السياسي طيلة عام على الأقل، وهو موعد الإدارة الأمريكية الجديدة في ممارسة عملها، ما لم تحدث مفاجآت تهز الأوضاع في الشرق الأوسط بشكل مفاجئ.

واجباتنا.. مهامنا

والسؤال الآن: كيف نفهم واجباتنا في هذه المرحلة، أي مرحلة الاستنزاف؟ إننا لا نفهمها كمرحلة جامدة،  ليس فيها تفاعلات أو ارتدادات أو تفجرات أو تأزمات، بل بالعكس إننا نفهمها كفرصة لإعادة النظر بقوانا الذاتية باتجاه تقويتها وتهيئتها لأي مواجهة قادمة يتطلبها واجب تحرير الأرض وطرد الإرهابيين الغزاة من بلادنا، إننا نفهمها على أنها العمل على استئناف جهود الحل السياسي وتذليل العقبات حياله، ولا ننسى أن الحلف الاستعماري الرجعي هو الذي تهرب من متابعة تنفيذ بنود مقترحات جنيف وفيينا وقرار مجلس الأمن الدولي، بسبب قوة موقف سورية المستند إلى الشرعية الدولية والتفهم المتزايد للحق السوري باعتبار سورية بلداً مستقلاً يدافع عن أرضه التي اغتصب أجزاء منها وغزاها جاهليون وبدائيون.

كذلك فإننا نفهم المرحلة القادمة على أنها مرحلة مصالحات وطنية وأهلية شاملة وتطبيق للدستور والقوانين ووقف الاعتقال الكيفي وتوسيع الحريات الديمقراطية العامة، كما يجب أن تكون معركة ضد التلاعب بأسعار المواد والسلع، وسعي جاد لرفع كابوس الغلاء عن الشعب ووضع حد للطفيليين والاحتكاريين وسارقي قوت الشعب.

أيها الرفاق الأعزاء..

إن الحريق الذي نشب في سورية قد أصبح له امتدادات، وإن الإرهاب صار ممتداً إلى العديد من الدول، ويهمنا الآن أن نشير إلى أن العراق الشقيق يعاني مثل ما تعانيه سورية، وقد تحقق للشعب العراقي في الأيام الأخيرة انتصار عسكري وسياسي جديد بتحرير الفلوجة من إرهابيي داعش، وذلك بعد توافق القيادات السياسية والاجتماعية على اعتبار معركة الفلوجة معركة وطنية شاملة تمهد لتحرير الموصل.

كما لابد من الإشارة إلى المعركة الضخمة الدائرة في اليمن، فقوات الغزو السعودي لم تتمكن من تحقيق أهدافها العسكرية والسياسية رغم مليارات الدولارت التي ينفقها حكام السعودية وبعض الدول الخليجية، منذ بدأ عدوانهم هذا على اليمن.

إن التطورات الجارية في أكثر من بلد عربي آخر هي تطورات شديدة التأثير والتأثر بالأزمة السورية، ونأمل بتناولها في اجتماعات قادمة.

العدد 1140 - 22/01/2025