كي لا ننسى.. عمر سوركلي
عمر سوركلي..مناضل شيوعي من الرواد
إنه أحد الذين وضعوا اللبنات الأولى في بناء منظمة الحزب في دمشق ذات التقاليد العريقة، وبناء الحزب عموماً في الثلاثينيات من القرن الماضي.. لقد ولد عام 1921 في حي الأكراد بدمشق، ومنذ نعومة أظفاره تفتحت مداركه في خضم النضال ضد الاستعمار الفرنسي..
يتعرف عمر وهو فتى بعد عام 1935 على بهجت بكداش، الذي يخبره بوجود حزب شيوعي يناضل ضد الاستعمار ومن أجل مصالح العمال، ويشكل معه ومع شكري صديق عامل الخياطة خلية، وينضم إليهم بعد أشهر عديدة حسين عاقو (الذي استشهد فيما بعد)، وفي عام 1937 إبراهيم بكري، عامل النسيج، الذي أصبح فيما بعد نقابياً معروفاً في أوساط العمال على نطاق واسع.. توسعت الخلية بعد ذلك وانقسمت إلى عدة خلايا.
تركز النشاط آنذاك على النضال ضد الاستعمار والرجعية، وكذلك من أجل تأمين مطالب الشعب والدفاع عن حقوقه وحرياته.. كانت الهموم المعاشية للشعب الكادح تشغل أفئدة هؤلاء الشيوعيين الأوائل، وبالرغم من قلة عددهم آنذاك، فقد كسبوا حب أناس العمل واحترامهم، وقد ساعدهم ذلك في عملهم النقابي اللاحق، إذ رفعهم العمال إلى مراكز مرموقة في الحركة النقابية.
عندما أصبح شبح النازية وخطرها يهدد العالم، كان الحزب من أوائل الأحزاب التي نبهت إلى هذا الخطر المحدق، وقد انعقد في بيروت نهاية عام 1937 مؤتمر نظمه الحزب ضد الفاشية، وكان عمر من المشاركين فيه وهو لم يبلغ الـ17 عاماً بعد، باسم الفريق الرياضي في حيه.
كان الشيوعيون قبل افتتاح مكتبهم في البحصة، يجتمعون في منزل الدكتور نسيب الجندي في الشعلان، وبعد تزايد نشاطهم جرت عدة محاولات اعتداء بالسكاكين من قبل الرجعية على عدد منهم.. وفي عام 1938 زار سورية نائبان شيوعيان فرنسيان، وقد نظم الحزب بهذه المناسبة اجتماعاً جماهيرياً علنياً في مقهى لونابارك الصيفي الذي يحمل الآن اسم 29 أيار، وقد نجح الاحتفال نجاحاً كبيراً رغم المحاولات الاستفزازية التي تعرض لها، وقد كان عمر أحد المنظمين له.
وعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية الكبرى وخيمت على أوربا والعالم، شنت السلطة العميلة لحكومة فيشي في فرنسا حملة اعتقالات ضد جميع الوطنيين، وشملت الحملة الحزب الشيوعي على نطاق واسع، وقد اعتقل الشيوعي عمر في شباط عام ،1940 وكان قد سبقه في ذلك عدد من رفاقه وفي مقدمتهم حسين عاقو.
كان المحققون يطلبون من المعتقلين حل الحزب، وقد طلبوا ذلك من عمر، وقد أجاب المحقق وهو المفوض السامي، أن أحداً لا يستطيع حل الحزب، وحتى الأمين العام لا يحق له ذلك، وعندما طلب منه المحقق أن يعترف على رفاقه، أجابه: سمعت عن موت الكثيرين تحت التعذيب على يديك، ولكن عندما أصبحنا شيوعيين كنا نعرف مسبقاً النتائج المترتبة على ذلك.
نُقل المعتقلون إلى سجن المزة، حيث بقي عمر نحو شهرين، ونقل عدد منهم بعد ذلك إلى بيروت، وهناك وضعوا الشيوعي عمر في زنزانة منفردة لفترة شهر ونصف، وكانت القراءة ممنوعة، إلا أن مطبوعات الحزب كانت تصل إلى المعتقلين عبر قنوات مختلفة، وقد تعرف فيما بعد على الكثير من الشيوعيين، عندما نُقل إلى المهجع الذي حشروا فيه.. هناك تعرف على نقولا الشاوي وفرج الله الحلو وغيرهما، وقد جرى تحويل الشيوعيين إلى المحاكم فيما بعد، وصدرت الأحكام:
5 سنوات لفرج الله، ونقولا الشاوي، ورشاد عيسى وآخرين.
4 سنوات لعمر سوركلي وعدد آخر.
وسنة واحدة لرفاق آخرين.
وقد نُقل المعتقلون إلى سجن الرمل في لبنان ثم إلى سجن القلعة بدمشق، وقد بقوا فيه عاماً كاملاً، وبعد دخول الديغوليين إلى سورية أُطلق سراحهم.
يتحدث الشيوعي عمر سوركلي ويقول إن عدد الشيوعيين في دمشق كان قليلاً جداً في الثلاثينيات من القرن الماضي، إلا أنه أصبح يضم في الأربعينيات عشرات المئات، وأصبح له دور بارز في النقابات مثل النسيج والتجارة والميكانيك وغيرها.
لقد كانت حياة هذا الشيوعي صاخبة وغنية، ومكرسة للنضال من أجل مطالب الشعب الكادح، وقد كانت وصيته الأخيرة قبل وفاته هي الحفاظ على هذه التقاليد والاهتمام بكل ما يتصل بحياة الناس.
إن تضحيات هؤلاء الشيوعيين الأوائل، ونضالهم من أجل العدالة وحقهم بها، قد انغرست عميقاً في التربة السورية، وشكلت معيناً ثراً للأجيال اللاحقة يمكن الاقتداء بها من أجل مستقبل أفضل لشعبنا وللبشرية.