حول مناطق تخفيف التصعيد

يُنظر إلى اتفاق خفض التصعيد الذي تم التوصل إليه في أستانا 4 على أنه يشكل خطوة أولى باتجاه خفض الهجمات الإرهابية والعنف في المناطق التي تسيطر عليها التنظيمات الإرهابية المسلحة، وبحيث تقود هذه الخطوة إلى خطوات أكبر وأجدى لصالح الشعب السوري والدولة السورية ومنها:

* توقف عمليات التهجير القسري التي تنفذها التنظيمات الإرهابية ضد المدنيين السوريين لأسباب باتت معروفة ومفضوحة، وبالتالي إتاحة الفرصة لعودة المهجرين إلى قراهم ومدنهم وأراضيهم.

* تمكين الدولة السورية من إيصال المساعدات الإنسانية إلى المدن والقرى التي تجثم على صدرها المنظمات الإرهابية وتحرم أهلها من وصول المساعدات الإنسانية إليهم، أو تقوم بنهب ما لديهم من كسرة خبز.

* من المفترض أيضاً أن يسمح هذا الاتفاق بفصل مسلحي الفصائل التي وافقت على الاتفاق عن تنظيمي داعش والنصرة الإرهابيين والفصائل الأخرى المرتبطة بهما، وبالتالي أن يختار هؤلاء المسلحون أمراً من اثنين: التوقف عن ممارسة الأعمال الإرهابية ضد الشعب السوري ودولته بعد وقفة صادقة مع النفس، وفهم أن حمل السلاح ضد الجيش والدولة والشعب لا يدل مطلقاً على (ثورة)، ولا حتى على مصطلح (معارضة، بل إن حمل السلاح ضد الشعب والجيش والدولة، هو تمرد يصل إلى الخيانة العظمى، خاصة أنه أصبح مرتبطاً بأعداء سورية (أمريكا وإسرائيل وتركيا وحلفائهم في السعودية وقطر والأردن)، أو استمرار الانضمام إلى داعش والنصرة ومتابعة طريق الإرهاب والعنف والتدمير.

* من جهة أخرى إن خفض التصعيد والتوتر في المناطق الأربع المتفق عليها يسمح للدولة السورية بمواصلة تحقيق المصالحات وتسوية أوضاع المسلحين الراغبين في ذلك، في الوقت نفسه، تتفرغ الدولة السورية ممثلة في الجيش العربي السوري لمتابعة تطهير المدن والقرى التي يلوثها الإرهاب، كما هو الحال في دير الزور وإدلب وريفي حمص وحماة وغيرها من الأماكن، خاصة أن الاتفاق لا يشمل داعش والنصرة ومن ينضوي تحت قيادتهما، علاوة على أن مظاهرات بدأت تخرج في المدن والقرى التي يسيطرون عليها تطالب بخروجهم منها، وتناشد الدولة السورية التدخل لتخليصهم من هذا الكابوس، كما هو الحال في الغوطة الشرقية مثلاً.

* يمكن لاتفاق وقف التصعيد إذا ما نفذ أن يحيد دور إسرائيل المساند دائماً لداعش والنصرة وأتباعهما، أو يضعفه على الأقل، لأن التنظيمات الإرهابية هذه تعمل على خدمة الكيان الصهيوني وحراسة حدوده على خطوط التماس على سورية، ولهذا لم تكتف إسرائيل بدعمها عبر الاعتداءات المتكررة على سورية بالطيران والصواريخ، بل نشرت مشافي ميدانية لعلاج من يصاب منهم وإعادته للقتال.

إذاً فيما لو قدر للاتفاق أن يأخذ طريقه إلى التنفيذ، سيتحقق ما جئنا على ذكره، ويساعد على دفع الحل السياسي إلى الأمام، على أساس وحدة الأراضي السورية وتحريرها من الإرهاب.. وقد لوحظ بالفعل انحسار العنف والإرهاب في مناطق الاتفاق بشكل عام، عدا بعض الخروق من قبل جماعات إرهابية معارضة للاتفاق.

ويبقى السؤال الهام: هل سيصمد هذا الاتفاق، أم أن الأعداء المتربصين بسورية والساعين إلى تدميرها سيتمكنون من إفشاله، كما أفشلوا ما سبقه من اتفاقات وتفاهمات؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة، خاصة أن أطرافاً أساسية من الضامنين مثل روسيا وإيران عازمتان على بذلك كل الجهود لإنجاحه.

إن مسألة إنشاء مناطق تخفيف التصعيد هي خطوة ذكية ومدروسة بدقة من قبل روسيا صاحبة الفكرة، من حيث أنها من جهة ستضع المتآمرين على سورية أمام محك حقيقي على أرض الواقع وتكشف نواياهم وتوجهاتهم التي طرحوها منذ بداية الأحداث في سورية، خاصة ذريعة حماية المدنيين، ومن جهة أخرى فإن الاستقرار في هذه المناطق المشمولة بالاتفاق يوفر جهداً على الجيش السوري ليتوجه إلى مناطق أخرى، يعد تطهيرها من الإرهاب قيمة إضافية تضاف إلى حجم ما أنجزه سابقاً لا يقل عن إنجاز تحرير مدينة حلب وتحرير تدمر، وفي مقدمة هذه المناطق محافظة دير الزور، ذلك أن خطط الجيش السوري وحلفائه تتجه نحو فك الحصار الجائر المفروض على هذه المحافظة، خاصة منها المدينة، وإعادتها إلى حضن الدولة السورية، علماً بأن تحرير دير الزور سيقطع الطريق على مخطط السيطرة على الشريط الحدودي الممتد من درعا إلى دير الزور والرقة وحتى القامشلي شمالاً (بما فيه البادية السورية) بهدف عزل محور المقاومة ومنعه من التواصل والاتصال.

إلا أن الأحداث منذ بدء مخطط استهداف سورية حتى الآن، أثبتت أن الرؤوس الحامية وأدواتها الحاقدة على سورية، لن تكف عن محاولات تعطيل وإفشال أي اتفاق أو تفاهم من شأنه أن يوقف الحرب على سورية، وهنا يترتب على الأطراف الضامنة، خاصة روسيا وإيران، الحذر تجاه هذه المحاولات الشريرة، وأن يأخذوا بالحسبان تجارب الماضي، بحيث يتم تفادي أية خديعة يراد من ورائها إنجاح مخطط تقسيم سورية.

العدد 1136 - 18/12/2024