السياسة النقدية تتحكم بالأوراق النقدية وتسيطر على التضخم

تتبع البنوك العالمية السياسة النقدية بهدف التحكم بكمية الأوراق النقدية المعروضة، ومن أجل تحقيق الاستقرار الاقتصادي، والمحافظة على استقرار أسعار الصرف وتماسك الأسعار، والتحكم بأسعار الفائدة، مما يمكنها السيطرة على التضخم وحماية الاقتصاد من الدخول في حالة ركود أو انكماش. ومن هنا يمكننا تعريف السياسة النقدية بأنها مجموعة من الإجراءات التي تسعى من خلالها البنوك المركزية إلى التأثير والسيطرة على كمية النقود في الاقتصاد لتحقيق أهداف معينة للاقتصاد الكلي مثل (تحقيق نمو اقتصادي معين، أو استهداف معدل تضخم محدد أو الوصول إلى سعر صرف معين).

وقد لعبت السياسة النقدية، دوراً مهماً وحيوياً خلال الأزمة المالية العالمية التي حدثت في عام 2008، مما جعل أغلب البنوك المركزية على المستوى العالمي تتبع سياسات نقدية استهدفت تعزيز مستويات السيولة في النظام الاقتصادي وزيادة المعروض النقدي، وذلك بهدف تفادي دخول الاقتصاد العالمي في ركود، ولهذا بادرت معظم البنوك على مستوى العالم، إلى خفض أسعار الفائدة من أجل زيادة الاقتراض والمعروض النقدي في السوق، الذي نتج عنه ارتفاع حجم الطلب على القروض بهدف الاستثمار، وبقيت أسعار الفائدة متدنية في معظم دول العالم، وبالذات التي تأثرت بشكل مباشر من آثار تلك الأزمة، بغية تحفيز النمو الاقتصادي.

فالاستقرار الاقتصادي لأي بلد يجعله يعمل على تحقيق أهداف اقتصادية أخرى وأهمها مكافحة البطالة، والحفاظ على استقرار السلع، وكذلك ثبات في صرف العملة الوطنية أمام العملة الصعبة، وجعل أسعار الفائدة مطابقة مع الوضع الاقتصادي للبلد، ومن هذا بهدف التحكم في المعروض النقدي، إذ تعمل البنوك المركزية على تطبيق العديد من الإجراءات الكفيلة بتحقيق تلك الأهداف الاقتصادية التي ذكرناها مسبقاً، ومن أهم الإجراءات التي تقوم بها: تعديل سعر الفائدة، شراء السندات الحكومية أو بيعها، تغيير نسبة الاحتياطي القانوني للبنوك التجارية.

أنواع السياسة النقدية

هناك نوعان للسياسة النقدية:

أولاً: السياسة النقدية التوسعية

تتبعها البنوك المركزية في حالة الركود الاقتصادي، ويمكن تلخيص خطواتها بقيام البنك المركزي، بخفض أسعار الفائدة أي تخفيض كلفة الإقراض من أجل زيادة الاقتراض والمعروض النقدي في السوق، مما يؤدي إلى زيادة المعروض النقدي في السوق، وارتفاع الطلب على السلع والخدمات، وهذا يتبعه ارتفاع الطلب على القروض بهدف الاستثمار، وهذا يؤدي إلى النمو الاقتصادي.

ثانياً: السياسة النقدية الانكماشية

تتبعها البنوك المركزية في حالة ارتفاع مستوى الأسعار أو ما نسميه التضخم، فتقوم بتخفيض المعروض النقدي والحد من القروض، عن طريق رفع معدلات الفائدة، مما يؤدي إلى انخفاض الطلب الكلي والإنفاق على السلع والخدمات، وهذ يؤدي إلى انخفاض أسعار السلع وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.

أما وظيفة السياسة النقدية فتكمن في التحكم في حجم المعروض النقدي، وأسعار الفائدة، للسيطرة على مستويات التضخم ومكافحة الركود الاقتصادي من جهة والمحافظة على استقرار أسعار صرف العملة الوطنية بما يتناسب مع وضع الاقتصاد الوطني، وذلك يسهم في تحقيق الاستقرار الاقتصادي.

أدوات السياسة النقدية:

تتبع البنوك المركزية في العالم أدوات مختلفة للسياسة لتحقيق أهدافها بالاستقرار الاقتصادي وسوف نتحدث هنا فقط عن بعض الأدوات التقليدية والنوعية:

من الأدوات التقليدية التي تستخدمها البنوك المركزية والمعروفة للبعض:

1- عمليات مقايضة النقد الأجنبي وهي عبارة عن اتفاقيات للتبادل على قرض بعملة معينة لغرض التأثير على أسعار الصرف في العملة المحلية.

2- الاحتياطي القانوني وهو نسبة من الودائع التي يجب على البنوك التجارية أن تحتفظ بها لدى البنك المركزي في شكل احتياطي قانوني. وفي أوقات التضخم يقوم البنك المركزي برفع نسبة الاحتياطي القانوني فتقل السيولة لدى البنوك التجارية، وبالتالي تنخفض قدرتها على الإقراض، أما في حالة الركود الاقتصادي يقوم البنك المركزي بتخفيض هذه النسبة وبالتالي تزيد قدرة البنوك التجارية على الإقراض.

3- احتياطي السيولة وهي نسبة من الأصول التي يجب على البنك التجاري الاحتفاظ بها ويمكن تحويلها إلى سيولة في الأجل القصير، ويمكن للبنك المركزي رفع هذه النسبة عند الضرورة.

4- عمليات السوق المفتوحة وهي التي يدخل البنك المركزي فيها إلى السوق المالية لشراء الأوراق المالية ويطرح بدلاً منها كمية من النقود السائلة في حالة السياسة التوسعية. وهي على عكس السياسة الانكماشية التي يدخل فيها البنك المركزي السوق ليبيع الأوراق المالية ويسحب بدلاً منها كمية من النقود لينخفض حجم الكتلة النقدية المتداولة.

أما الأدوات النوعية التي تستخدمها البنوك المركزية فيمكن أن نذكر منها:

1- تنظيم الائتمان ومن خلالها يمكن للسلطات النقدية أن تحدد سقفاً للقروض الممكن منحها في حالة السياسة الانكماشية، كما يمكنها أيضاً توجيه القروض إلى قطاعات معينة ترفع فيها سقوف القروض أو توضع فيها سقوف لمعدل الفائدة مما يشجع المستثمرين على طلب القروض والاستثمار في تلك القطاعات.

2- سياسة القروض الانتقائية ويمكن من خلالها تحديد سقف للمبالغ المقترضة أو لعدد المقترضين أو تحديد فترة لتسديد القرض ويمكن أيضاً الحد من منح القروض في قطاعات محددة لا يتماشى الاستثمار فيها مع تطبيق السياسة الاقتصادية المعتمدة.

أهداف السياسة النقدية:

تعتبر السياسة النقدية جزءاً من السياسة الاقتصادية لأنها تساهم في تحقيق الأهداف العامة للسياسة الاقتصادية، وتختلف أهداف هذه السياسة تبعاً لمستوى التطور الاقتصادي والاجتماعي للبلدان، ويمكن أن نلخصها كالتالي:

1- تساهم السياسة النقدية في تحقيق معدلات نمو اقتصادية مناسبة في القطاعات الاقتصادية المختلفة بما يحقق زيادة حجم الدخل القومي ونمو الناتج المحلي.

2- تعمل السياسة النقدية على تحقيق الاستقرار الاقتصادي والدفع بعجلة الإنتاج بزيادة حجم المعروض النقدي في السوق في حالة الركود الاقتصادي وتحقيق مستويات سيولة معينة في الاقتصاد، وذلك من خلال التحكم في حجم المعروض النقدي في السوق إضافة إلى تحقيق الاستقرار في مستوى الأسعار بالشكل الذي يخدم النمو الاقتصادي.

3- تساهم السياسة النقدية في التقليل من آثار التضخم في الاقتصاد، من خلال خفض كمية النقود في السوق، كما تساهم في زيادة سرعة وتيرة التنمية الاقتصادية بتوفير المناخ المناسب لتنفيذ مشاريع وبرامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

ومن هنا يمكننا التساؤل حول السياسة النقدية المتبعة في بلادنا في ظل ظروف سنوات الحرب السبع وانخفاض سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الصعبة، فمنذ سنوات والوعود مازالت مستمرة بتخفيض سعر الدولار وتحطيمه، ولكن كل هذه الإجراءات لم تُجدِ نفعاً بل ما زالت المصارف الخاصة والسوق السوداء تتحكم بسعر الصرف مع أننا لا نخفي محاولات المركزي في الآونة الأخيرة بإيجاد حلول واتخاذه إجراءات عدة لتعزيز قيمة الليرة السورية، ونأمل أن يكون القادم أن يكون أفضل.

العدد 1140 - 22/01/2025