أزمة البحث العلمي في البلدان العربية
إن أزمة البحث العلمي في الدول العربية، في ظل غياب الديمقراطية، جليّة للعيان، وبينما يحقق العالم حولنا قفزات هائلة في مجال الإنفاق على البحث العلمي وبراءات الاختراع واستثمار البحوث، يتراجع البحث العلمي العربي، ويغيب النهج السليم في هذا المجال، ما أدى ويؤدي إلى التراجع والبقاء خارج دائرة التطور العلمي.
تساؤلات كثيرة تُطرح في هذا المجال: أين تتجه البلدان العربية؟ ومتى تستفيق من سباتها العميق حتى تدرك ما فاتها، في ظل النظام العالمي الجديد الذي أصبح في سباق محموم للوصول إلى أكبر قدر ممكن من المعرفة الدقيقة التي تكفل له الراحة والرفاهية، وتضمن له التفوق على غيره؟
وعندما يتصفح المرء إحصائيات الإنفاق على البحث العلمي والتطور التكنولوجي، يصطدم بحقيقة مفزعة مفادها أن معظم الدول العربية تصرف مئات المليارات على الفضائيات والحفلات والمهرجانات في هذا الوقت العصيب، وتغض الطرف عن البحث العلمي وتطوير المنظومة التربوية، لكسب أرضية خصبة تمكّن من خلق جيل يتعامل بعقلية واعية مع الأشياء. وهذه الحقائق التي أقرتها منظمة اليونيسكو، تؤكد أن الدول العربية لا تعير اهتماماً للتقدم العلمي، ذلك أن نسب الإنفاق على البحث العلمي ضعيفة جداً، إذا ما قورنت بما يقابلها في دولة واحدة من الاتحاد الأوربي، الذي قفز قفزة كبيرة في هذا المجال، ويجب عدم إغفال دول آسيا التي حققت نجاحات جدية في طريقها نحو التقدم. أما الأدهى والأمرّ في ذلك فهو أن إسرائيل، العدو التقليدي، تنفق على البحث العلمي ضعفَي ما تنفقه البلدان العربية مجتمعة.. وهذا مؤشر خطير، من الضروري أن يتداركه العرب، إذا أرادوا أن يشاركوا في صنع الحضارة العالمية.
وفي هذا السياق يجب تحفيز المبدعين وتشجيعهم لا تهميشهم حتى يفضلوا الهجرة والابتعاد عن الوطن، وكذلك تطوير المخابر، واتباع مناهج جديدة تواكب الحضارة، وتطوير النظم التربوية وتشجيع التفكير النقدي، وتحرير التعليم الجامعي من القيود البيروقراطية والسياسية، وتطبيق القوانين على كل فرد من المجتمع، بغض النظر عن طائفته الدينية أو خلفيته الاجتماعية أو السياسية، لا أن يجري تنفيذها بشكل انتقائي، لأن ذلك يفرز الفساد، ويشلّ الاستثمار، ويهدر الموارد، ويفقد المرء ثقته في النظام السياسي. ويجب كذلك إصلاح الإعلام، لأن المادة الإعلامية هي الرابط بين المفكرين وطلاب العلم عبر الحوار واللقاءات الإعلامية. وينبغي ملاحظة أن غياب التخطيط وضآلة الإمكانيات لدى بعض البلدان العربية هي سبب في تعثر الأبحاث العلمية وتراجعها المستمر.
كما أن استقلالية المؤسسات الأكاديمية وعدم التدخل في شؤونها وضمان الحرية الفكرية للباحثين، والإسراع في اتخاذ الخطوات العلمية، وإصلاح المنظومة التربوية، ومد جسور المعرفة بين الأفراد، إن كل ذلك هو شرط ضروري للتقدم في هذا المجال.