عندما يتوقف الرمق الأخير..انقطاع المعونات
إن من يراهن على ديمومة أي أمل في نفق الحرب المقيت هذا هو كمن يراهن على عودة الرشد لإرهابيٍّ سفك الدماء وعاث في الأرض والأجساد فساداً. ومع تمسكنا بالأمل إلا أن الخيبات المرافقة لمسيرته في نفوس السوريين جعلت منه نسمة صيف عابرة، فلا هي جلبت الغيث، ولا هي خففت لهيب الحر.
خيبة تلو خيبة… وانتظار للفرج مرهون باتفاق بين الأطراف الكبرى. وما أصعب الانتظار!! فعلى تلال الخراب يزحف السوري ليصل إلى قمة تلك التلال، فتأتيه قذيفة هاون أو صاروخ محلي من قبل التجار يحرق روحه قبل جيبه، أو قرار جائر يحبسه تحت الأنقاض ويميته ببطء.
أُبلغ كل سوري متضرر من الحرب أن المساعدات الغذائية التي واظبت الدولة مشكورة على تأمينها خلال سنين الحرب الماضية ستتوقف الشهر القادم، وأن هذا الشهر هو الشهر الأخير لسد الرمق. وسحبت الدفاتر من المواطنين، وطُلب منهم التوقيع على ورقة براءة ذمة، وكلها إجراءات تشي بانتهاء أمل لطالما أنعش القلوب وملأ المِعَد التي أفرغت عنوة بسبب طمع التجار ولعبة الدولار.
كانت تلك المعونات بلسماً مداوياً لخواطر المتضررين من الحرب ومن فقدوا البيوت وهُجِّروا، وكان رب الأسرة ينتظر موعد حصوله على تلك السلة الغذائية التي كانت تحتوي مواد أساسية وضرورية لسد الرمق. وكانت تلك المعونة تساهم في جزء كبير منها في التخفيف من اللجوء إلى الأسواق وشراء المواد نفسها التي تحتويها تلك السلة بأضعاف مضاعفة.
وعلى الرغم من الازدحام الكبير الذي كانت تشهده مراكز تقديم المعونات للمهجرين، إلا أن إصرار المهجّر كان أكبر من ذاك الازدحام، وكان الانتظار في طوابير طويلة أهون من العودة إلى البيت خالي الوفاض، لأن هذا سيعني مبلغاً إضافياً ربما مقداره 25 ألف ليرة ثمن تلك المواد التي تتضمنها السلة الواحدة.
يقول أحد المهجرين: أنتظر بفارغ الصبر موعد حصولي على السلة المخصصة لي، لأن محتوياتها تشبع اطفالي نوعاً ما، وأنا غير قادر على شراء المواد الغذائية من السوق، لأن هذا يعني حرمان أطفالي من المتطلبات الأخرى كالدواء والدفء والمأوى. فمن يدفع إيجار بيت ولديه مصاريف أخرى كبيرة سيسعد لو خفف عنه المصروف قليلاً على شكل سلة غذائية تسد الرمق.
ورغم محاولات المتطفلين الذين ليسوا بحاجة إلى المعونات، ورغم زجّ أسمائهم بالواسطة تارة وبالقوة تارة أخرى، إلا أن العدالة سادت في وصول المساعدات إلى مستحقيها ولم تنقطع يوماً عنهم.
تقول إحدى المهجرات من منطقة ساخنة وتقطن في دمشق إنها كانت تشهد بعينيها أثناء الانتظار في طوابير للحصول على سلة المعونات كيف يحاول بعض ضعاف النفوس استخدام القوة والعضلات للحصول على المعونة وهم ليسوا بحاجتها.. وكيف كانت تملأ سياراتهم الفارهة بسلال المعونة رغم أنها ليست من حقهم، فهي فقط للمهجرين ممن تضرروا من الحرب وذاقوا الويلات.. ورغم هذا كان الجميع يحصل على حقه.
أما اليوم وقد أغلق باب من أبواب الرحمة بالنسبة للمواطن المهجر فاليأس والخيبة بهذا القرار تملأ القلوب بالحسرة.. لماذا في هذا التوقيت؟ لم نسمع أن الحرب قد انتهت. ولم نشهد توقف المعارك لا بل العكس هو الصحيح، فالمعارك في أشد قوتها وخاصة على جبهة الغوطة الشرقية.. لماذا لم نسمع أو نشهد كلمة تبرر توقف المساعدات وحصرها فقط بذوي الشهداء؟؟ لماذا يقطع شريان الحياة الوحيد للمهجّر الذي مازال مهجراً ولم يرجع بعد إلى منزله، ومازالت الأعباء المادية وفقر الحال وقلة العمل يلاحقونه كخياله؟!
والسؤال الأهم: لماذا بدأ المواطن العادي الذي يشتري المواد الغذائية من التاجر يلحظ تراجع مستوى المواد وتشابهها مع مواد المعونة؟ هل هي صفقة في الخفاء أم ما خفي كان أعظم؟