ظاهرة التسول…أسباب وحلول

 تعددت أشكال التسول وصوره، ويبدو أنَّ هناك من ينظر إلى التسول على أنَّه مهنة يومية تدر عليه مبلغاً من المال نتيجة التعاطف الذي يجده من العديد من المواطنين، وبالتالي فإنَّ هؤلاء أصبحوا يستخدمون أساليب تضمن لهم الحصول على أكبر قدر من المال، عن طريق كسب تعاطف أكبر عدد من الناس.

لكلٍّ طريقته

بعض المتسولين يلجؤون إلى الدعاء وقراءة القرآن، والبعض يتخذ القصة المؤثرة وسيلة لكسب دريهمات، في حين تلجأ فئة إلى إظهار أماكن إصابتها بمرض أو ورقة شراء الأدوية التي عجزت عن توفير ثمنها، فيما تلجأ فئة أخرى إلى التسول بالكتابة، وذلك بتوزيع أوراق على ركاب الحافلات، تحكي الوضع الاجتماعي الضعيف، لاستعطاف الناس. وهكذا إلى درجة يحار فيها الشخص كيف يميز بين المتسول الصادق والمتحايل.

أسباب التسول

للتسول عدة أسباب يأتي في مقدمتها الأسباب الاجتماعي،ة كالتفكك الأسري الناتج عن وفاة أحد الوالدين، أو الطلاق، أو الأب الحاضر الغائب عن عائلته، أو من خلال علاقة المتسول بالظروف المحيطة به، وفي هذا المجال يؤكد المربّي محمد الأحمد (وهو مرشد اجتماعي) أن مثل الظروف قد تدفع الطفل في سن مبكرة إلى التسرب من المدرسة، وتدني المستوى التعليمي للمتسول وأسرته، والخلل في التنشئة الاجتماعية هو من أهم الاسباب لهذه الظاهرة، إضافة إلى أن العامل الاقتصادي يؤثر في جميع أفراد الأسرة وله تأثيره أيضاً في نمو الشخصية، وقد يكون دخل الأسرة غير كاف لإشباع حاجات أفرادها من مأكل وملبس ومأوى، مما يجعل معظم أفرادها يبحثون عن سبل للخروج من هذا الضغط وتحرير أفرادها من الحرمان، بالانخراط في أعمال هامشية كبائع سلع رخيصة أو التسول في الشوارع .

وعند الغوص أكثر تاريخياً في تفسير هذه الظاهرة سنجد أن ظاهرة التسول كانت على الدوام مقرونة بالفقر والاحتياج، وكانت حكراً على فئة معينة من الفقراء والمحتاجين الذين وجدوا أنفسهم على هامش الحياة لا معيل لهم. أما الآن فقد اتسعت كثيراً واعتمدت أساليب متنوعة، ومما لا شك فيه أن المجتمع بأفراده ومؤسساته يتحمل نتيجة تزايد المتسولين والمشردين، وينعكس ذلك على الاستقرار الاقتصادي والثقافي، فيصبح المتسول ضحية الإجرام من السرقات والمخدرات والدعارة، وهو بلا وعي وبلا هدف، وهذا يؤدي إلى هدم الكيان الاجتماعي.

نتائج التسوّل

 يؤكد المرشد التربوي محمد الأحمد أن نتائج التسول عديدة ومضاعفاتها خطيرة، لا على الفرد وحسب بل على المجتمع أيضاً؛ ومن أهم مضاعفات هذه الظاهرة:

الانحراف بشتى أنواعه سواء على المستوى الأخلاقي أوالفكري، فنجد كثيراً من المتسولين يلجؤون إلى تعاطي المخدرات، إضافة إلى تنامي ظاهرة الجريمة داخل المجتمع، ما يهدد الاستقرار والأمن العام، إضافة إلى انتشار الفوضى والاضطراب في شوارع المدينة والأماكن العامة، ما يهدد سلامة الأفراد وراحتهم.

آليات مكافحة التسول

قد تكون عملية مكافحة التسول صعبة وتحتاج إلى تعاون أكثر من جهة، بدءاً من المواطن المتعاطف وانتهاء بتسيير دوريات قمع وتشديد الرقابة بوضع إجراءات وقائية تضمن عدم التشبيك مع عصابات التسول، وفرض عقوبات صارمة على من يثبت تورطه بذلك، وتنويع جهات مكافحة التسول لتشمل كل منطقة على حدة وفي كل الدوائر الإدارية من شرطة المنطقة أو الناحية أو السياحية، بحيث تشارك جميع الجهات المعنية في الدولة. ولا ننسى تأكيد دور الجمعيات الخيرية، إذ يمكنها تقديم المعونات للأُسر المحتاجة ومحاولة إيجاد عمل للقادرين منهم بالتعاقد مع الأشخاص الراغبين في العمل والمساهمة في تقديم الخدمات في مكاتب الخدمة الاجتماعية وتفعيل دورها في الأحياء الشعبية.

علاج ظاهرة التَّسوُّل

تَضعُ الدّول الكثير من الخُطط لمُجابهة آفة التسّول ومنع انتشارها؛ لأنها قد تَزيد احتمالَ الجريمة في المُجتمع، ممّا يتطلّب وجود وسائل علاجٍ مُجديةٍ وقوانين رادعة. وفي هذا الإطار عقد السيد محافظ طرطوس صفوان أبو سعدى، اجتماعاً موسعاً ضمّ السيد اللواء قائد شرطة طرطوس، ورئيس فرع الأمن الجنائي، وعضو المكتب التنفيذي المختص في المحافظة، ومديرة الشؤون الاجتماعية بطرطوس، نوقش فيه تفشي ظاهرة التسول وازديادها في شوارع طرطوس، وسبل الحد من هذه الظاهرة بما يضمن الحفاظ على هؤلاء المتسولين ووضعهم في أماكن يسهل ضبطهم فيها وتأمين ما يحتاجونه في حال كانت لديهم حاجة حقيقية. وشدّد السيد المحافظ على ضرورة الحد من هذه الظاهرة التي تعاظمت في الفترة الأخيرة بطرطوس.

وسائل علاج ظاهرة التسول

يرى المرشد التربوي محمد الأحمد أن علاج هذه الظاهرة يحتاج إلى تضافر جهود عدد من المؤسسات المعنية، إلى جانب المجتمع الأهلي، ومن هذه الوسائل إجراء دراسات حقيقية للكشف عن أسباب هذه الظاهرة وتوعية المجتمع للآثار الكبيرة لهذه المشكلة من خلال نشر برامج التوعية عبر وسائل الإعلام، إضافة إلى دعمُ المراكز المتخصّصة بمُكافحة التسوّل عبر رفدها بعَددٍ مُناسبٍ من الموظّفين المؤهلين، ووضع القوانين الرادعة وتطبيقها دون تراخٍ، ومن ذلك تفعيل دور الشرطة في القبض على المتسولين. .

أخيراً

أعتقد أن تطبيق العدالة في كل شئ كالتعليم وفرص العمل واستغلال الموارد وتنمية المهارات كلها قد نصل من خلالها إلى بناء مجتمع راق ومتماسك ما دامت مهمة الإنسان على الأرض إعمارها، فينبغي من الجميع التكاتف لفعل ذلك.

العدد 1140 - 22/01/2025