أين العدل في ضريبة يتساوى في دفعها الفقير والغني؟

في سورية يقع على عاتق المواطن السوري كثير من المشكلات، وأهمها تأمين مستلزماته المعيشية من مأكل ومشرب ومسكن، ولكن الحرب وذئابها من تجار الأزمة يستنزفون ما في جيوب هذا المواطن المسكين محدود الدخل والمعدوم حتى إنها طالت كل فئات المجتمع ولم ينجُ منها سوى كل مقتدر وغني.

ومن بين الأعباء المالية التي تستمر فئات الشعب الفقيرة والمتوسطة في تحمّلها (الضرائب والرسوم غير المباشرة) وعلى وجه التحديد من غير المكلفين بالضرائب والرسوم المباشرة (أرباح- ريوع)، وهي تعتبر عبئاً إضافياً يزيد من أعبائهم المعيشية المستمرة منذ بداية الأزمة والحصار والغزو الإرهابي، فقد بلغت الضرائب والرسوم غير المباشرة التي يدفعها عامة الشعب 230 مليار ليرة، بزيادة بلغت نحو 35 مليار ليرة في موازنة 2018. وحسب تعريف الضريبة (إنها فريضة مالية تستوفيها الدولة وفقاً لقواعد تشريعية مقررة بصورة إلزامية ونهائية، وتفرض على المكلفين تبعاً لمقدراتهم على الدفع ولغاية توفير الأموال اللازمة لتغطية نفقات الدولة ولتحقيق أهداف مالية واقتصادية واجتماعية)*.

لنقف قليلاً عند (الهدف الاجتماعي الذي يتمثل بإعادة توزيع الدخول بين فئات المجتمع عن طريق زيادة الضرائب على ذوي الدخل المرتفع، بتطبيق مبدأ التصاعد الضريبي على دخولهم، وبالتالي تقليل حدة التفاوت بين مستويات الدخول وتمويل الخدمات العامة من الضريبة لمصلحة الدخول المنخفضة)*.

ولكن هل يتحقق هذا الهدف حقاً من خلال الضريبة غير المباشرة التي تُجمع من جيوب الفقراء لأنهم باتوا الشريحة الأكبر في مجتمعنا، والتي لا تؤثر على طبقة الأغنياء الذين يجب أن تستوفى منهم الضريبة غير المباشرة والمباشرة لتحقيق الهدف الاجتماعي؟

 ولكثرة انتشار الفساد وجدت الطبقة الغنية منفذاً للتهرب من الضريبة المباشرة، وهو ما يعد بحد ذاته جريمة اقتصادية يحاسب عليها القانون لما لها من أثار سلبية على الاقتصاد الوطني وعلى المجتمع، إذ تعرض حصيلة الموارد العامة للانخفاض، إلى جانب الإخلال بقاعدة العدالة الضريبية بسبب الذين يستطيعون التهرب منها من أصحاب النفوذ الذين انعدمت الأمانة في ضمائرهم واستسهلوا تجاوز القانون، فلا ضريبة مباشرة تقتطع منهم ولا ضريبة غير مباشرة تهز عروشهم، ولكنها تفتك بالمعدومين ومحدودي الدخل لعدم ملاءمتها لاعتبارات الكفاءة والعدالة الاجتماعية إذ يتساوى في دفعها الفقير والغني.

فلماذا لا نعمل على إصلاح مالي يصب في مصلحة محدودي الدخل، وذلك من خلال زيادة الإعفاءات الشخصية والاجتماعية، فمحدودو الدخل وحدهم من يشعرون بثقل الضريبة غير المباشرة، وهم يتساءلون ما إن كان من العدل تساويهم في دفعها مع الأغنياء؟

إن كان المواطن السوري يشقى ويتعب في سبيل تأمين لقمة عيشه ويصبر على قلة المردود المادي ويعمل على زيادته في محاولة لاحتمال غلاء المعيشة والأسعار، أليس من المفروض مساعدته بإزاحة بعض هذه الأعباء؟ فمع كل معاملة حكومية وفاتورة ارتفعت قيمتها أم نقصت يدفع المواطن ضرائب ورسوماً منها مالية وأخرى للإدارة المحلية وللنظافة وصيانة وإنفاق استهلاكي وأجور تركيب واشتراك…إلخ، فضلاً عن الطوابع التي تلصق على كل طلب حكومي… الخ. فمن غير المعقول أن تحاول الحكومة توفير مورد مالي لخفض عجز الموازنة على أكتاف الطبقة الكادحة، وخصوصاً في هذه الحرب المستعرة التي دمرت الاقتصاد وحطمت مصادر الدخل واجبرت الكثيرين على العيش في كفاف، فقد انخفضت قيمة دخل العاملين وبخاصة في القطاع العام وفي القطاع الخاص المستغل، ويتهاوى هذا المردود الخجول أمام سعر الصرف المرتفع وانخفاض القوة الشرائية لليرة السورية، مما أدى إلى تفاقم الأعباء التي يتحملها محدودو الدخل والفقراء، في ظل هذه الأزمة المستعرة.

يبقى السؤال الذي ينتظر إجابة تحمل في طياتها حلولاً تخفف من الضغوط المالية على ذوي الدخل المحدود: متى تُتّخذ خطوات جادة تجعل الإصلاح الضريبي في البلاد يراعي مقدرة أفراد المجتمع، على أساس مستوى الأجور في قطاعات العمل المختلفة، والعمل على رفع مستوى معيشتهم وانتشالهم من الكفاف إلى الحدود المقبولة التي تؤمن لهم حياة كريمة؟!

* (النظام الضريبي السوري واتجاهات إصلاحه)، د. محمد الجليلاتي، جمعية العلوم الاقتصادية السورية.

العدد 1140 - 22/01/2025