البيان الختامي للجنة تنسيق اليساري العربي
عقدت لجنة تنسيق اللقاء اليساري العربي اجتماعها الدوري، في 26 تشرين الأول (أكتوبر) ،2017 في بيروت، بضيافة الحزب الشيوعي اللبناني وبمشاركة أعضاء اللجنة وممثلين عن أحزاب من منطقة المشرق العربي.
توقف المجتمعون عند الذكرى المئوية لثورة أكتوبر الاشتراكية والتأثيرات التي تركتها، ولا تزال، على مجريات النضال السياسي والإيديولوجي والاقتصادي – الاجتماعي في العالم أجمع، وفي عالمنا العربي على وجه الخصوص، مؤكدين أن الاشتراكية هي الحل الوحيد للخلاص من الاستغلال والحروب التي يعيشها عالمنا. كما بحث المجتمعون التطورات السياسيّة في المنطقة وتداولوا بما يلي:
تتسم المرحلة الدوليّة الراهنة بالانتقال من نظام أُحادي القطبية إلى نظام متعدد الأقطاب. وهي تؤشّر إلى إحداث تبدلات عميقة على الصعد الدولية والإقليمية، ولا سيما في منطقتنا العربية؛ فالإدارة الأمريكية ترزح تحت ضغط الأزمة الرأسمالية وتصاعد حدّة الانقسامات الداخلية، وتسعى اليوم، على الرغم من المنحى التراجعي لهيمنتها الأحادية، إلى محاولة التشبث بنظام القطب الواحد، بوجه القوى الصاعدة والشعوب التي تتّجه نحو عالم متعدد الأقطاب.
في المنطقة العربية يحاول المشروع الأمريكي المتراجع تسعير الحروب البينيّة والداخلية وتأجيج كل الصراعات المذهبية والطائفية والقومية. وتتجلّى تلك السياسات عبر المشروع الهادف إلى تصفية القضية الفلسطينية وإنهاء الصراع العربي – الصهيوني وفرض التطبيع؛ كما في محاولات التفتيت الجديدة في العراق وسورية وليبيا، وفي تصعيد الحرب على اليمن، وتشديد الحرب الاقتصادية والمالية بما يسهّل إمرار مشاريع السيطرة على المنطقة بالكامل.
في هذا السياق، أتت قمة الرياض، بطلب وقيادة الرئيس الأمريكي ترامب، لتشكيل تحالف سياسي يكرّس هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية، ولإفراغ خزائن دول الخليج لمصلحة الخزينة الأمريكية عبر صفقات السلاح والصفقات التجارية والاستثمارية. ولا شكّ أن توقيع المملكة السعودية صفقات بقيمة 400 مليار دولار، إلى جانب ما أنفقته الدول الأخرى، يعتبر تبديداً للثروة الوطنية العربية. كما يحمل هذا التحالف هدفاً سياسياً يمهّد لتطبيع العلاقات العربية، وتحديداً لعدد من دول الخليج مع العدو الصهيوني.
وبالاستفادة من هذا المناخ السياسي، يستمرّ العدو الصهيوني في سياساته التوسعيّة ويسرّع إنشاء المستوطنات ويعتقل آلاف الأسرى، ويبني جدار الفصل العنصري ويكرّس سياسات التهويد على حساب الشعب الفلسطيني الذي يواجه هذه السياسات من خلال تطوير أساليب المقاومة المسلحة والشعبية. كما يستمر جيش العدو باعتداءاته المتكرّرة على سورية التي يحتل أراضيها في الجولان، ويستمر في احتلال الأراضي اللبنانية في مزارع شبعا وكفرشوبا، ويقوم باختراقات يومية لسيادة الدولة اللبنانية. وكذلك يأخذ التدخل الأميركي في شؤون لبنان منحىً خطيراً مع فرض عقوبات مالية وسياسيّة، وتسعير جو الانقسام الداخلي فيه.
أمّا في سورية، فقد شهدت الأشهر الأخيرة هزائم متسارعة للتنظيمات المتطرفة والقوى الداعمة لها، بفضل صمود الشعب السوري ومؤسساته الوطنيّة. إنّ هذا الانتصار العسكري يجب أن يتلازم مع الحل السياسي الذي يحفظ مصالح وحقوق الشعب السوري، ويضمن وحدة سورية ودورها المستقبلي، ويمنع تحويل مناطق خفض التصعيد إلى مدخل للتقسيم، ويفتح الطريق أمام الشعب لتحقيق رغبته في التغيير الديمقراطي الوطني الجذري الشامل، من أجل بناء الدولة الوطنية الديمقراطية ذات التعددية السياسية، وفي التقدم الاجتماعي ولتخفيف المعاناة، إذ يعيش ما يزيد عن 10 ملايين نازح في ظروف لا إنسانية، وتتراجع نوعيّة الحياة في ظل الدمار والحرب والعقوبات وتفشي ظواهر الأمن الذاتي وصعود أمراء الحرب وتجار السلاح والفاسدين.
وفي حين كان العراق قد بدأ يستعيد استقراره وسلطته على أراضيه، شكّل الخلاف الداخلي المتصاعد بعد الاستفتاء خطراً على وحدة البلاد، وهو ينذر بعودة شبح الحرب الأهليّة في ظلّ قيادة سياسيّة مركزيّة وإقليميّة تدفعان بالأمور نحو الانفجار.
وللعام الثاني تستمر الحرب السعودية المدعومة أمريكياً وعربياً على الشعب اليمني، بمشاركة مرتزقة من عدّة دول خاصة السودان، وترتكب أبشع المجازر بحقّه تحت ذريعة محاربة الحوثيين وحلفاء إيران في اليمن.
أما في مصر، فيزداد الوضع الشعبي سوءاً مع تفاقم الوضع الاقتصادي وتوسّع النظام في سياساته القمعيّة، وتفريطه بسيادة مصر على أراضيها في جزر تيران وصنافير رغم حركة الاحتجاج الشعبية الرافضة وقرار المحكمة الدستورية. وعلى الصعيد الأمني، تكثر التفجيرات والحوادث الأمنية التي باتت تهدد استقرار البلاد بشكل جدّي. وتستمر عدة دول خليجيّة في سياساتها المعادية للحريات العامة، كما يحصل في الكويت والبحرين، وآخرها حل جمعية (وعد).
وفي تونس يواصل الشعب وقواه الديمقراطية نضالهم من أجل استكمال مسار الثورة لتحقيق الجمهورية الديمقراطية الاجتماعية، في وضع يتميّز باشتداد الأزمة الاقتصادية التي يواجهها التحالف اليميني الحاكم على حساب العمال والأجراء، من خلال ضرائب جديدة والخضوع لإملاءات الدوائر المالية العالمية. ولا يفوتنا ان ننوّه بما توصلت إليه الحركة التقدمية والديمقراطية من إقرار مبدأ المساواة في الإرث بين المرأة والرجل الذي قامت من أجله بنضالات كثيرة.
بناءً عليه، رأت الأحزاب المشاركة ضرورة مواجهة هذا الواقع من خلال مهمات يمكن تلخيصها بما يلي:
* تصعيد النضال المشترك من أجل القضية الفلسطينيّة بكل الوسائل المتاحة، والعمل على إسقاط مشاريع التطبيع مع العدو، ودعم مقاومة الشعب الفلسطيني وصولاً إلى تحرير أرضه وإقامة دولته الوطنية وعاصمتها القدس، وتحرير جميع الأسرى والمعتقلين وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى الديار التي هجروا منها منذ عام 1948.
* التأكيد على وحدة الأرض والشعب في سورية والعراق، حيث يجب أن يشكّل دحر المجموعات الإرهابية والقوى الداعمة لها الخطوة الأولى على طريق الحل السياسي الذي ينهي الحرب وينقل الصراع من ميدانه العسكري إلى الميدان السياسي. فالحل في العراق أو سورية يجب أن يقرره العراقيون والسوريون بأنفسهم بعيداً عن التدخلات الخارجيّة، ويؤدي إلى قيام نظام علماني وديمقراطي، يرسخ العدالة الاجتماعية، ويضمن تأمين كل الحقوق السياسية والثقافية لكل المواطنين، وفي مقدمتهم الأكراد، على أساس المساواة في المواطنة.
* النضال ضد الفقر والنهب الرأسمالي والتهميش والتهجير والبطالة التي تعاني منها كل شعوب المنطقة، ومن أجل استعادة السيطرة على الثروات الوطنية وإطلاق مشاريع التنمية التي تعالج هذه المشكلات.
* دعم حق الشعب اللبناني بالمقاومة من أجل تحرير أراضيه المحتلّة، ودعم نضال القوى الديمقراطية والنقابية والشعبية من أجل التغيير الديمقراطي وصولاً إلى الدولة العلمانية الديمقراطية المقاومة.
* النضال من أجل وقف الحرب السعودية المستمرة على اليمن، وإنهاء الأوضاع الاستثنائيّة فيه ووقف التدخلات الخارجية، والتأكيد على الحل السياسي اليمني – اليمني، من أجل الوحدة والاستقرار والعدالة بعيداً عن الانقسامات المذهبية والمناطقية والعشائريّة.
* دعم نضالات القوى اليسارية والعماليّة العربية على امتداد المنطقة وتحديداً في مصر وتونس والمغرب والسودان والعراق، من أجل الحقوق والعدالة، ودعم النضالات المدنية والديمقراطية لشعوب منطقة الخليج العربي الطامحة للمساواة والمشاركة والتقدم واستقلاليّة دولها.
* تفعيل أطر التعاون والتنسيق لمواجهة المشروع الأمريكي والصهيوني، من خلال وضع الأسس العملية الآيلة إلى تنفيذ شعار المقاومة العربية الشاملة في كل ميادين العمل النضالي المشترك.
* تطوير التواصل والتنسيق مع القوى اليسارية والشيوعية في العالم من أجل دعم القضايا العربية.
* تنظيم الملتقى الشبابي العربي وفعاليات نقابية ونسوية بين المنظمات الجماهيريّة التي تشارك فيها أحزاب اللقاء اليساري العربي، وتطوير الجهد البحثي والنظري بين أحزاب اللقاء اليساري العربي، وتطوير البلاتفورم المشترك في مضامينه السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
* عقد اللقاء اليساري العربي التاسع في تونس في أواسط شهر نيسان ،2018 وتحديد شعار اللقاء بالتنسيق مع الأحزاب العضوة، وإقرار جدول أعمال سياسي وتنظيمي.
الحزب الشيوعي اللبناني
بيروت، لبنان
26 تشرين الأول 2017
وشارك في الاجتماع عن الحزب الشيوعي السوري الموحد الرفيق علم الدين أبو عاصي (عضو المكتب السياسي)، وقدّم المداخلة التالية:
الرفاق الأعزاء!
أحييكم وأتمنى لاجتماعنا إنجاز أعماله بنجاح، وأتقدم بالشكر إلى رفاقنا في الحزب الشيوعي اللبناني الشقيق، لتنظيم هذا اللقاء ودعوتنا للمشاركة فيه.
تعرفون أيها الرفاق أن الحرب العدوانية الشاملة المستهدِفة لسورية وطناً وشعباً ودولة، والتي طالت كل جغرافية الوطن، لا تزال مستمرة منذ سبع سنوات إلى الآن، عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وإعلامياً.. فالقوى الإمبريالية والصهيونية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية تعمل بدأب على استمرارها بقصد إنهاك البلاد، وتفتيتها، بغية تأمين سيطرتها واستغلالها لثروات أوطاننا، ولضمان استمرار القبضة الإسرائيلية على الأراضي العربية المحتلة، وتصفية حقوق الشعب الفلسطيني. ويستمر التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بالتدمير الممنهج للبنى التحتية والخدمية لبلادنا، وقتل المدنيين السوريين، وعرقلة تقدم الجيش، انطلاقاً من قواعد لقوى التحالف في دول الجوار وعلى أراضينا، وبالتعاون مع تركيا والدول الرجعية العربية وخاصة الخليجية التي تؤمن للقوى المسلحة الظلامية التدريب والتدريب وكل أشكال الدعم اللوجستي. ويتناغم هذا مع التنسيق والدعم المقدم من العدو الإسرائيلي، واعتداءاته الاستفزازية المتكررة على المنشآت السورية، ولكن الصمود الوطني لشعبنا، وتضحيات الجيش الوطني وبالتعاون مع القوى الصديقة، قد أجبر القوى المضادة على التراجع وأدى إلى إلحاق الهزائم بها وبداعميها، واستعادة السيطرة على معظم الأراضي السورية ومصادر الثروة، وبدأت البلاد تتعافى خطوة خطوة، وتحقق توازناً جديداً في الميدان والسياسة داخلياً ودولياً شكّل أرضية صالحة للوصول إلى الحل السياسي الذي يضمن وقف نزيف الدم والدمار، وتحقيق المصالحات الوطنية، ويوحد قوى الشعب في الدفاع عن الوطن وطرد الغزاة، وتحرير الأرض، ومجابهة الفكر التكفيري المتشدد، والقضاء الكلي على الإرهاب الذي يمكن أن يستبدل أساليب عمله، ويفتح جبهات جديدة لإرهابه.
إنه الحل الذي يضمن وحدة البلاد واستقلالها وسيادتها أرضاً وشعباً، وعقد مؤتمر وطني واسع لتقرير نهج البلاد ومستقبلها، بعيداً عن التدخلات الخارجية، وإعادة ترتيب الحياة السياسية وتنشيطها، من خلال تغييرات عميقة في بنية النظام السياسي، تؤمّن اتباع النهج الديمقراطي التعددي، وضمان المشاركة الشعبية وبناء الدولة الوطنية الحديثة العلمانية وفق مبادئ المواطنة والمساواة وتكافؤ الفرص لكل مكونات الشعب، بغض النظر عن الانتماء الإثني أو الديني أو الطائفي أو الجنسي أو الحزبي، وتحقيق العدالة والتقدم الاجتماعي.
إن أكثرية شعبنا أيها الرفاق تئن تحت وطأة مفرزات الحرب، والسياسات الاقتصادية الليبرالية المنحازة للفئات الرأسمالية، والعقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة ظلماً على بلادنا، وغدت أكثرية شعبنا تحت خط الفقر، وتكابد الأمرّين في سبيل تأمين عيشها، فالدمار قد أصاب وعطّل الكثير من البنى التحتية والمساكن والخدمات ومصادر الإنتاج الزراعي والصناعي، وما رافق ذلك من انعدام الأمن والنزوح والهجرة والتهجير، واستغلال تجار الحرب وأمراء السلاح، وانتشار الفساد وأعمال الخطف والقتل وغيرها من الظواهر الغريبة على تقاليدنا، ولم يتمكن آلاف الطلاب من الدراسة.
إننا ندعو إلى عقد مؤتمر اقتصادي وطني واسع لمعالجة آثار الحرب وإزالتها، وإعادة الإعمار وفق الأوليات الأساسية، واعتماداً على الطاقات الوطنية أولاً، ثم التعاون مع الدول الصديقة، وأول ما يقتضيه ذلك هو القطع مع السياسات الاقتصادية والاجتماعية الليبرالية التي كانت في أسباب الأزمة، والانعطاف نحو وضع خطة تنموية اقتصادية اجتماعية تعتمد الاقتصاد التعددي، تقوده الدولة بالتخطيط وبتملكها لقطاع عام واسع وقوي، وبدعم المنتجين الحقيقيين والمستهلكين. وقد أصدر حزبنا وثيقتين، الأولى منهما تتضمن رؤية الحزب حول مستقبل البلاد بعد الأزمة، والثانية تتضمن مشروع مبادئ لدستور سوري، وطرحهما للنقاش العام في البلاد.
إننا نؤكد ضرورة تصعيد كفاحنا واستمراره في مجابهة الإمبريالية الصهيونية والرجعية العربية العميلة، وكل النظام الرأسمالي، ومن أجل استعادة الجولان، والأراضي العربية المحتلة، والحقوق الكاملة لشعبنا الفلسطيني، ونؤكد تمسكنا بالمستقبل الاشتراكي الضامن للتخلص من الظلم والاستبداد والاستلاب والاستغلال الطبقي الاجتماعي، وللتخلص من الحروب وصيانة السلم العالمي، وعلينا العمل لتوحيد جهود قوى اليسار، لحشد الطاقات الشعبية والقوى الوطنية والديمقراطية في مسار حركة وطنية للتحرير والتغيير.
إن امتلاك قوى اليسار لإعلام فضائي وإلكتروني يوصل الفكر التنويري والتقدمي إلى بيوت الناس يجب أن يُبحث بكامل الجدية.
إننا نحيي ثورة أكتوبر الاشتراكية وصانعيها في ذكراها المئوية، فقد شكلت معلماً تاريخياً بارزاً في تاريخ النضال البشري لتحقيق التوق الإنساني إلى الحرية والمساواة والعدالة.
لقد أصدرت اللجنة المركزية لحزبنا قراراً واسعاً حول الذكرى، يثمّن ويقيّم دورها، وتقوم منظمات حزبنا بأنشطة متنوعة حول المناسبة، فتلك التجربة رغم نقاط ضعفها والأخطاء التي رافقتها، قد مثّلت إنجازاً إبداعياً للسلطة العمالية وحلفائها، وإثبات الإمكانية الواقعية للانتقال من نظام الاستغلال الرأسمالي إلى نظام اشتراكي، غايته الأساسية منع استغلال الإنسان.. إنها تجربة هامة تمكّن أحزابنا من الاستفادة من نجاحاتها وإخفاقاتها، لتصويب نضالنا من أجل الاشتراكية.
مشاركة في ندوة
كما شارك الرفيق علم الدين يومي 27 و28 تشرين الأول في ورشة عمل فكرية نظمها الحزب الشيوعي اللبناني حول (طبيعة الصراع في المنطقة في أبعاده المتعددة).