الحكومة وأزمة مياه الشرب
أقدمت قوى الإرهاب والظلام قبل أكثر من شهر على تلويث نبع الفيجة الذي يشرب منه سكان دمشق وريفه الغربي، مرتكبة جريمة مريعة ترقى إلى مصاف الجرائم الكبرى الموجهة ضد الإنسانية. ومع الأسف لم تتطرق إلى ذلك صحافة ما يسمى بالعالم الحر الذي يتاجر بالإنسانية، ولا معظم الصحافة العربية، التي لم تر في هذه الجريمة أمراً يستحق التنديد به.. وبذلك فقد أضيفت إلى معاناة أهالي العاصمة وأريافها، وهي لا تعد ولا تحصى، معاناة جديدة، هي معاناة تأمين المياه التي لا حياة دونها..
وكالعادة هرع منتهزو الفرص من التجار والمحتكرين لاستغلال هذه الأزمة، ورفع أسعار زجاجات المياه المعبأة لأجل زيادة ثرواتهم على حساب معاناتهم المواطنين وآلامهم، مستفيدين من غياب أجهزة المراقبة التابعة للدولة، والفساد الذي عشش لدى بعض موظفيها، الذين يرون في هذه المعاناة مصدراً لثرائهم.
لقد حددت الدولة قبل أزمة المياه الأخيرة سعر زجاجة المياه الكبيرة بمبلغ 500 ل.س، والزجاجة العادية بمبلغ 100 ليرة سورية، بيد أن هذه الأسعار ارتفعت عند التجار ودون وازع من الضمير، فأصبح ثمن الزجاجة الكبيرة 850 ل.س، والزجاجة العادية 200 ل.س، ثم أخذ سعرها يتصاعد، بمقدار ما كانت تتصاعد حاجة الناس للمياه، حتى وصلت أحياناً عند بعض هؤلاء المحتكرين إلى أكثر من 2000 ليرة سورية للزجاجة الكبيرة الواحدة.
ويطرح الكثير من المواطنين السؤال التالي: أين هي الدولة من كل ما يجري؟ وهذا لا يتعلق بالمياه فقط، وإنما بكل السلع الأخرى الضرورية للحياة، لا يشعر المواطن السوري بوجود لها، إلا عندما يتطلب الأمر التضحية، أو عندما تحتاج للأموال التي لا تجد طريقاً إلى جبايتها إلا من جيوبه، جيوب الكادحين وذوي الدخل المحدود، الذين يشكلون الغالبية العظمى من الشعب، والذين هم العماد الحقيقي للوطن.
لم يعد الشعب يعير الاهتمام لا بتصريحات المسؤولين ولا بضجيج الإعلام حول اهتمام الحكومة بأحواله وتخفيف المعاناة عنه.
يعرف الشعب الصعوبات التي تعانيها البلاد بسبب الأعمال الإجرامية التي قام ويقوم بها الإرهابيون، ويعي مدى التأثيرات السلبية للحصار القاسي الذي فرضته الدول حامية الإرهاب على حياة الشعب، بيد أنه يطرح السؤال التالي: أية علاقة بين كل ذلك، ورفع سعر زجاجة الماء الكبيرة من 500 ل.س قبل أزمة المياه في دمشق إلى 850 ل.س، وعند بعضهم إلى أكثر من 2000 ل.س خلال أقل من شهر؟ أين هي أجهزة مراقبة الدولة، وماذا تفعل؟ وما هي خطة الحكومة من أجل منع استغلال بعض فاقدي الضمير من التجار لآلام الشعب من أجل تكديس الثروات، وهذا الأمر يعد جريمة لا تقل عن الجرائم التي يرتكبها الإرهابيون.
لقد آن الأوان لوضع حد للازدواجية بين أقوال المسؤولين وأفعالهم، لأن انطباق الأقوال على الأفعال هو المحك الأساسي لمصداقية أية حكومة، والتي يمكن أن تتحقق من خلال تحولها إلى حكومة ميدانية لا تكل ولا تمل من العمل لأجل تخفيف المعاناة عن الشعب، ومن خلال الاعتماد عليه، بحيث يشعر المواطن السوري الذي يستحق الكثير من الشعور بأن حكومته لا تألو جهداً من أجل التخفيف من آثار هذه الأزمة الكبيرة التي عصفت بالبلاد.