لن يحدث في مثل ذلك اليوم!

في شهر نيسان عام ألفين وثلاثة، وتحديداً في التاسع منه، دخلت قوات الاحتلال الأمريكي العراق بقوة الحديد والنار، وكان حدثاً مخجلاً في التاريخ العربي، لأن الإعلان الذي صدر وقتئذ عن بداية النظام الديمقراطي في العراق كان إعلان مذلة في التاريخ السياسي، فأي ديمقراطية تلك تبدأ في العراق، وخاصة عندما نعرف أن الأمريكي بول برايمر تولى إدارة العراق بعد اجتياحه؟

ذلك يطرح سؤالاً كبيراً: لماذا يتدخل الخارج في حياتنا السياسية؟

أو على نحو أدق: لماذا يقبل بعض العرب أن يتدخل الخارج في حياتنا السياسية؟

وهل يحرص أولئك المعتدون على مصالحنا أكثر مما نحرص نحن؟ ولماذا لا نتعلم من دروس الماضي التي تتكرر باستمرار، فيدفع العرب ثمناً باهظاً لها من ثرواتهم ودمائهم وحضارتهم؟!

ذلك هو حديث الوطنية الذي نبحث عن معانيه هذه الأيام. وهو حديث انتهى الغرب منه من سنوات طويلة، وتم التأسيس له في التاريخ منذ الحضارات الأولى التي نشأت في العالم، فلا يقبل أي كيان مهما كان هشاً أن تتدخل فيها كيانات أخرى، وجرى تثبيت ذلك في ميثاق الشرعة الدولية المعروف بميثاق الأمم المتحدة، إذ لايجوز التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

يبدو حديث الوطنية على غاية الأهمية الأيام. فالتفريط فيها لم يعد يثير كثيراً من الخجل، وتبنيها قد يؤدي حتماً لدفع أثمان كبيرة، ومع ذلك لابد من تثبيت عدة نقاط في حياتنا.

أولها- أن الانتماء إلى وطن يتطلب الالتزام بتحصين هذا الوطن، وتحصين الأوطان لايكون بكشفها أمام الخارج، وإفساح المجال للتلاعب بمصائر شعبها واقتصادها وقضاياها.

وثانيها- ترفض الثقافة الوطنية المبنية على تاريخ طويل للأمة أو الشعب أي تفريط في هذا الجانب، لأن التفريط فيها ينسف شرعية الكفاح الوطني ضد الغزاة والمحتلين والمستعمرين، ويجعل من أبطال الأمة ورموزها مجرد أسماء لامعنى لها، ويجعل أعمالهم باهتة في وجدان الأمة.

وثالثها – التفريط بالمستقبل، وتجاهل المشاريع الخارجية التي تقوم على رسم خرائط جديدة وسرقة الثروات وتزوير التاريخ..

في شهر نيسان عام ألفين وثلاثة، وتحديداً في التاسع منه، حدث شيء مخجل في التاريخ العربي نرجو أن ينتبه العرب إلى معانيه.

العدد 1136 - 18/12/2024