هناك ترسم حلم الزمن الذي انطفأ!
لا يوجد أحد في السمرة!
السمرة قرية سورية قريبة من اللاذقية، وهي عبارة عن قطعة من الجنة، تأخذك إليها طريق ضيقة من كسب، لتقطع عدة كيلو مترات، ثم تنحدر باتجاه البحر، فتسحرك زرقته من فوق وتسحرك خضرة الشجر الكثيف من حوله، ويسحرك الهدوء فيها، حتى لتخال نفسك ملك زمانك كما يقولون!
كان ذلك قبل أربع أو خمس سنوات، وكان الهدوء في تلك القرية يوحي أن أحداً لن يتركها وشأنها، فالطامعون كثر، وأقل الطامعين وألطفهم الأسمنت والاستثمار بأبنية تتكاثر لتأكل الشجر، كما جرى في الغوطة التي كانت تزنر دمشق أيام زمان!
الذي حصل أن الطامعين جاؤوا بحرب على السمرة.. لم يأت الأسمنت.. كان المستثمرون يهمّون ببناء مشاريعهم الضخمة في السمرة..جاءت الحرب، فقد كشفها الضوء الذي سلط على مكانها، ولم تعد (ضيعة ضايعة)، كما سموها في التلفزيون. صارت نقطة علاّم لصد الغزو من الشمال ومؤشراً على انهياره في الجنوب!
هكذا ببساطة صارت السمرة راية.. وتحولت ضيعة ضايعة إلى نقطة علام!
يجب أن نذهب جميعاً إلى السمرة الآن لأنها لم تعد ضائعة، هي في القلب.. وعند زيارتها نحقق مجموعة أهداف، أولها:
أن علينا أن ندافع عنها جميعاً، فهي واحدة من الثغور الطبيعية لسورية القوية. وثانيها: أن التعرف على حقيقة السمرة يؤدي مباشرة إلى التعرف على حقيقة المعارك التي جرت فيها!
وثالثها: أن السوريين الأرمن الموجودين في كسب والسمرة سيفرحون كثيراً عندما يجدون إخوانهم السوريين يقرعون أبوابهم ليستعيدوا زمن وطن عظيم، وليكونوا معهم في إعادة النبض للقرية الساحرة.
أنا ذهبت إليها، وكان علي أن أراها على حقيقتها، فهناك سر ربما لايعرفه أحد هو أن الذي اقترح إعادة بث مسلسل (ضيعة ضايعة) على الدكتور فؤاد شربجي مدير تلفزيون الدنيا، لإحيائه بعد عرضه لمرة واحدة في أحد تلفزيونات الإمارات هو (أنا).
قال لي: اختر عملاً من عدة أعمال موجودة لدينا ليكون العرض الأول، وأعطاني ثلاثة أعمال. اخترت ضيعة ضايعة، فعرض في رمضان في وقت الذروة، وضرب سوق الأعمال الدرامية الجديدة، وانطلقت الشهرة الكبيرة للسمرة آسرة قلوب الناس!
أنا زرتها بسعادة، رغم أن السيدة العجوز صاحبة البيت الذي كان بيت (جودة) في ضيعة ضايعة، رفضت أن نصور عندها.
قالت لي: هذا ليس حقكم أن يتحول بيتي إلى متحف، وأنا لم أشاهد بعد المسلسل الذي صوروه عندي!
ناقشتها، قلت لها.. الناس يفرحون في بيتك. بيتك لم يعد لك.. بيتك أصبح لكل سورية.. هزت رأسها. لم تتوقع أن تشن الحرب على السمرة.. ردت بشكل حرون:
– صوّر.. صوّر وخلّصنا!
لا أعرف إذا كانت تلك العجوز ماتزال حية. ولكن أعرف أن (السمرة) ماتزال حية، وأنها عادت تنبض بقوة في قلوب السوريين جزءاً من وطن لايمكن لأحد أخذ شبر واحد منه!