معهد عتبات.. تشكيلة فنية وطنية

قطعت الحرب الصعبة التي يعيشها السوريون منذ سنوات الحلم الجميل لكثيرين منهم، فما من سوري إلا وحاولت الحرب تهشيم حلمه، تماماً كما حاولت  تهشيم دولته وبيته وبيئته الاجتماعية وثقافته وانتمائه الحضاري..

وعندما تتجول في المدن والقرى السورية وتتعرف على آثار الحرب عليها، تتوقف عند كثير من الصور، وفي واحدة منها تتعرف على أحلام الناس التي تأثرت في جحيم الحرب، لكن نبضها مازال ينبعث من الوجدان والإيمان بأنها سورية، وبأن الله سيكون مع السوري ليصنع حلمه الإنساني الجميل..

هناك من كان يحلم ببيت له ولأسرته، فشرع في بنائه، وجاءت الحرب لتوقف هذا الحلم، وليصبح البيت الذي شرع في بنائه مجرد إشارة لزمن مضى تشتعل النار فيه أو من حوله.. وهناك من كان يحلم بزراعة أرضه أشجاراً مثمرة، فشرع بحرثها وتنظيفها وقبل أن تغرس أشجارها أوقفت الحرب هذا الحلم وظلت الغراس تحن إلى تربتها وتشتعل فيها النار أو من حولها..

وهناك من كان يحلم بقصيدة عن الحب، فإذا هو يكتبها عن الحرب، وهناك من كان يحلم بزفاف ليؤسس بيتا، فإذا هو زفاف استشهاد من أجل الوطن..

وهناك من كان يحلم بأغنيات لوطن جميل مزهر بالأمل، فهل تحترق الأغاني؟..  تلك هي الحكاية..

تتعرف في مدينة طرطوس على بلدة دوير الشيخ سعد، وهي قرية جميلة كانت تحلم أن تكون مركزاً سياحياً سورياً نموذجياً، لكن الحرب كاسرت حلمها فكاسرت هي الحرب، وتحولت إلى حضن دافئ آمن يلجأ إليه المهجرون من كل مكان غزاه الإرهاب والموت..

في دوير الشيخ رسلان تجمع السوريون.. من الرقة ومن طرطوس ومن حلب.. جمعهم الحلم بتشكيل فرقة لأغنيات من أجل الوطن.. وشرعوا بتحقيقه.. كاسر الحلم الحرب فغلبها ونشأت فرقة فنية باسم عتبات، وهي تجتمع وتنشط في مركز عتبات الجديد..

كان المركز يقوم بتدريب المواهب وتنظيم أنشطتها فإذا هو وعاء وطني للمواهب، ومن يعرف طرطوس الآمنة الجميلة الصلبة في ذاكرتها وتاريخها مع جزيرة أرواد يعرف معنى هذا الكلام..

كانت مياه البحر في طرطوس تعيد الذاكرة إلى مياه بحيرة الأسد وقلعة جعبر التي جاءت منها المواهب، فقد تجمعت المواهب الطموحة، وعندما التقى الحلم الأول مع الحلم الثاني، نما إصرار كبير على تحقيق شيء ما يتوهج فيه الحلم في طرطوس..

تعرفنا عليهم وهم يعملون.. كان التدريب يجري كماء يتدفق من نبع، كان الكل يعملون بهمة وصمت، كل يضع موهبته في الميزان، والميزان صورة من صور النجاح الذي يطمح إليه الجميع.. جميع السوريين!

العدد 1140 - 22/01/2025