هل جربت سماع صفير القذائف؟!

أخفقت الحروب الكبرى في تغيير طبيعة الصراع في العالم من صراع بالدم والموت والدمار إلى صراع بين العقول والأفكار… نعم، أخفقت الحروب في حل هذه المسألة على مر التاريخ، لأنه دائماً يوجد حمقى، والحمق في أي صراع جرى في الحياة جر الويلات على الحجر والشجر والبشر!

تمكنت السينما، في أفلام كثيرة، وتمكن التلفزيون أيضاً في عدد مهم من المسلسلات، من إعادة الأحداث الكبرى إلى الذاكرة بتصنيع صور أقرب إلى الواقع، لتتعرف البشرية على معنى الحروب وآثارها، بدءاً من حروب الإغريق إلى الحربين العالميتين إلى حربي الخليج، وصولاً إلى الحرب على الإنسان العربي والحجر والشجر تنفيذاً لمشروع الفوضى وإعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد، وعنوانه: أشعلْ فتيل الفتنة، ودع العرب يقتل بعضهم بعضاً..

وهي عملية تساهم في ترتيبها دوائر الاستخبارات الغربية والصهيونية العالمية وحتى العربية..

سلّطت تلك الأعمال السينمائية الضوء على مساوئ الحروب وماتركته في تاريخ البشرية من مآسٍ وخراب.. وكل ذلك لم يجعل المعتدين ومشعلي الحروب أكثر تروياً في إثارة الفتن بين الشعوب وحتى بين صفوف الشعب نفسه!

كانت الحروب أبشع صور الصراع في العالم، لا من باب عدد الضحايا الذين يسقطون فيها، ولا من باب عدد المشوهين والأيتام والأرامل والمشردين، وحسب، بل من باب ماتتركه من أحقاد بين البشر..

والغريب أن مشعلي الحروب امتهنوا تخريب العالم، وأصبحت هذه المهمة مهمتهم عبر التاريخ، وكان الصراع يأخذ شكل الحرب لأنها الوسيلة المثلى التي تشبع أحقادهم، والطريقة النموذجية لتحقيق أطماعهم.. وقد طرحت هذه القضية تساؤلات كثيرة عبر التاريخ من بينها: هل بالفعل لايمكن إنهاء الحروب من العالم؟

ثم، هل صحيح أن هناك حروباً ينبغي أن تحصل لكسر حدة الشر والعدوان؟

ثم، ما الذي ستتركه الحروب من أثر على النفس البشرية، مع تطور آلات القتل والتدمير القادرة على قتل مئات الألوف دفعة واحدة، كما حصل في هيروشيما وناغازاكي؟!

كل هذه الأسئلة وكل هذه الأفكار لم تكن تعني شيئاً للسكان الآمنين الذين يدفعون الثمن، لو لم يفرض المعتدون وجودهم بالقوة على الآخرين.

في كتاب شهير صدر في باريس تحت عنوان (دمشق تحت القنابل)، تحدثت كاتبته الفرنسية إليس بولو التي عاشت في دمشق آنذاك، عن حياة السوريين أثناء الاحتلال الفرنسي، وأظهرت فيه قوة الصمود والشكيمة التي يتميزون بها وهم يواجهون غطرسة المستعمرين ووحشيتهم، وخاصة في لحظات قصف دمشق وتدمير معالمها فوق السكان..

في السينما كنا نسمع صفير القذائف وهي تتهاوى هنا وهناك، فترمي الجنود والسكان صرعى أو جرحى، وفي الكتاب تعرفنا على هذا الصفير من خلال شرح شاهد عيان هو امرأة فرنسية لعملية قصف دمشق بالقنابل من قبل الفرنسيين، أما اليوم، فصفير الكاتيوشا والهاون أضحى معروفاً للسوريين في كل مكان.. فالصفير في عرف السوريين الآن هو الطعم المر والصوت الدامي، وهو يذكّرهم بكل الحروب دفعة واحدة، وتراهم مع تساقط القذائف فوق دمشق يستعيدون مفردات إليس بولو في كتابها الجميل: دمشق تحت القنابل عن مرحلة الاستعمار الفرنسي!

العدد 1140 - 22/01/2025