لاتذهب بعيداً.. الدفء في الوطن!

انتهت موجة البرد العارمة التي ضربت المنطقة، كانت ظروفها صعبة وقاسية فعلاً، فهي في قلب الحرب التي لاترحم على البلاد والعباد، وهي في قلب أزمات الوقود والمعيشة التي تتمدد برأسين دائمين الفقد والغلاء، وهي في قلب الدم الغالي عندما يسيل على التراب الغالي.. في قلب هذه الأزمات هاجمتنا العاصفة، وفيما كان العالم يختلف على تسميتها كنا نحن السوريين نبحث عن الدفء ونتقصى آخر أخباره، في سنة البحث عن الدفء!

نعم.. سنة البحث عن الدفء….

فملايين الناس عرفت المعنى الحقيقي لكلمة: (دفء)!

عاد الكتّاب إلى الطفولة، وتحدثوا عن أحضان أمهاتهم، وكيف كانت تقيهم صقيع الشتاءات الصعبة، فهل هناك أجمل من الدفء في أحضان الأمهات؟!

نعم.. ليس هناك أجمل من الدفء في أحضان الأمهات.

حملت المعاناة أصحابها إلى المعنى، فإذا نحن أمام دفق العبارة، أمام وهج المعنى الحقيقي للأمومة التي تقدم الدفء للطفل في عطاء قلّ نظيره جعلت الملايين تستعيده في ظروف الصقيع والبرد والحروب الطاحنة!

عاد الكتّاب إلى الطفولة، ليجدوا الدفء في أحضان الأمهات، وعاد الناس إلى ذاكرة بيوت الطين والحطب لاسترجاع دفء المواقد في بيوت تسللت إلى الذاكرة من الماضي القريب والبعيد دافئة حنونة تجمع ولاتفرق.. تعتمد البساطة وتسيطر عليها أجواء المحبة بين أصحاب البيت الواحد الذين يتعاونون على إزاحة الثلج عن السقوف والأبواب، وتقطيع الحطب وجمعه وترتيبه في المكان المناسب ثم نقله إلى جوار مواقد الغرف، ثم إشعال النار لينعم بالدفء البيت كله!

وفجأة..

ظهر الوطن إلى المقدمة!

فإذا الدفء يأخذ بعداً آخر..

نعم: ذهب الكتاب إلى الطفولة، فوجدوا الدفء عند الأمهات، وذهب الناس إلى الذاكرة للبحث عن معنى الدفء، فوجدوه في بيوت الطين والحطب، وتعاون أبناء البيت الواحد، فإذا بالجميع أمام الحقيقة الكبرى، وهي: دفء الوطن!

خارج الوطن ليس لك إلاّ الصقيع..

في الوطن وحده تجد الدفء الحقيقي.. تجده عندما يكون السوريون يداً واحدة كأنهم يسكنون بيتاً طيناً هبت عليه العاصفة وعليهم جميعا أن يحموه برمش العين..

لن تجد أمّاً تحضنك، وأنت خارج الوطن.. لن تجد حناناً يضفي عليك استقراراً روحياً وحرارة جسدية إلا في الوطن.. عرف الجميع أن الوطن هو الذي يقدم الحل، وعندما عادوا إلى الذاكرة وجدوا عدة حقائق من بينها:

أن الوطن بحاجة إلى جميع الأوفياء والشرفاء ليكون قوياً بهم بمواجهة الحرب عليه! وأن الوطن بحاجة إلى وحدة هؤلاء الأوفياء ليكون أكثر مقدرة على صناعة الدفء!

وأن الوطن هو حضن الأم، والبيت الحنون على من فيه، وأن الوطن أجمل الأحلام التي تحملنا إلى الدفء رغم كل العواصف حتى لو اختلف العالم على تسميتها..

إن ذلك يجعلنا أكثر قدرة على مواجهة الصقيع!

العدد 1140 - 22/01/2025