سبع تلجات كبار ماعدا الصغار!
أعادت موجة الثلوج الأخيرة إلى حديث الناس ذاكرة الخير في بلادنا. وهذه الذاكرة غنية جداً بالأمثال والتقاليد والقصص التي تلهب الخيال، ورغم أن ظروف البلاد كسرت نسبياً جمالية هذه العودة، باعتبار أن البحث عن المازوت وانقطاع الكهرباء وارتفاع الأسعار شغلا الحيز الأكبر من ذلك الحديث، فقد استمتع الناس بعودة الحديث عن مربعانية الشتاء وسعد بلع وسعد السعود وسعد الخبايا وعن الربيع والينابيع والأنهار!
مع كل يوم يمتد فيه سوء الأحوال الجوية كانت الأحاديث تتشعب وتطول، فتذكر الناس مفردات مهمة في حياتنا تحمل من الجمل ماتحمله، وهي مفردات تعني الكثير هذه الأيام الصعبة التي نمر فيها، ومن بينها:
– المواسم، والمراعي، والأغنام، والمياه، والحطب..
وتذكروا أيضا عبارات تحمل معاني جميلة، كعبارة جمع الحطب وعبارة كشط الثلوج وإشعال المواقد.. لكن الأجمل هو كل القصص التي تبعث على الأمل في النفوس كمساعدة الناس بعضهم البعض الآخر أثناء الحصار الثلجي، ومن تلك القصص أن كثيراً من الخصام زال بين أبناء الحارة الواحدة لإقدامهم على مواجهة الثلج والبرد بشكل جماعي وتقديم العون، فتبادلوا الحطب والمؤونة وتجمعت سواعدهم وهي تزيل أكداس الثلوج من واجهة الأبواب!
استعدنا مفردات أخرى جميلة من الطعام الشعبي، فهناك من كان يأكل (الكشك) الساخن كل يوم، وهناك من افتقد لهذا النوع من الأطعمة لما لها من أثر في مقاومة البرد، وسمعنا أيضاً عن (الزلابية) و(لقمة الحلوة) وعن (شراب السويق) وهو عبارة عن مشروب يقوم فيه السكان بخلط الثلج النظيف مع الدبس فيصبح مثل الجلاب، ويظن البعض أن هذا المشروب هو للصيف ولكن حلاوة الدبس تجعل الفائدة مضاعفة، فهو منشط ويقدم الدفء بآن معاً!
تمكنت الأحوال الجوية الصعبة من إعادة الناس إلى أمثال كانت غائبة عنهم، ومن بينها: (ثلجات الشتاء) وتعني بلغة هذا العصر (المنخفضات)، وكانت تلك الثلجات بمثابة تاريخ، فقد ولد ابن فلان وقت الثلجة الأولى. وولدت فلانة في المربعانية..
لاحظوا كيف تتوالد في الحياة الشعبية كل تكاوين البيئة الخيرة المعطاءة التي تفعل أكثر مما تقدر على فعله الكتب والأفلام والبرامج!
وفي أحاديث الجدات حكايات تقشعر لها الأبدان عن الشتاءات القاسية، كتلك التي تحكي عن الضباع التي هاجمت القرى مستغلة هجوع الناس وانقطاع التواصل فيما بينهم، وفي واحدة من تلك القصص التي روتها جدتي في قرية عسال الورد أن عجوزاً في قريتنا كانت تجلس وحيدة أمام الموقد عندما أحست بحركة الضبع عند الباب، فسارعت لوضع سكة المحراث الثقيلة في نيران الموقد المتأججة، وعندما تمكن الضبع من حفر فجوة تحت الباب ودفع برأسه إلى الداخل كانت السكة قد تحولت إلى جمر، فغرست المحراث في رأسه، فأيقظ صراخه القرية كلها قبل أن يموت!..
متى تستيقظ البلاد كلها، وقد تكاتفت سواعدنا في حمل سكة المحراث الوطني لقطع رأس الوحش الذي يريد التهام بلادنا؟!