زمن آخر.. صعب!
يبدو الصراع هذه الأيام أصعب وأعقد من كل الصراعات التي مرت في التاريخ، لا لأن ظاهرة الموت والدمار والنيران تأكل الأخضر واليابس والبشر والحضارة، ولا لأن الأطماع زادت مع ازدياد حاجات الإنسان، ولا لأن العلم أصبح أداة سيطرة أكثر منه أداة حضارة!.. إذن ربما يكون الإنسان هو الذي تغير!
هل يمكن أن يتغير جوهر الإنسان؟ أم أن هناك حاجة إلى معرفة جوهر الإنسان معرفة أفضل كما قال ألكسيس كاريل ذات يوم؟
تلك أسئلة حضارية..
أسئلة مهمة، وضرورية وملحاحة معاً. ويبدو أهم معطى ينبغي الذهاب إليه مع هذه الأسئلة هو سؤال الوطن!
وتاريخياً، لم يتغير مفهوم الوطن إلا عندما نمت قوة الاستغلال، وتزايدت الحاجة إلى العمل، فأصبح مكان العمل هو المحطة التي يتنقل فيها الإنسان ليعيش، لم يتغير إلا عندما نما الاضطهاد، كما حصل مع كثير من الشعوب التي اضطهدتها قوى مستعمرة أو عنصرية.. ولكن هذا التغير ماكان لينسف مفهوم الوطن، بل ظلت الروح تنبض بالشوق إليه!
والآن لن يتغير مفهوم الوطن رغم اتساع رقعة الخوف من فقدان الأمان، لأن الناس عرفوا بعد كل هذا التاريخ من الخراب والموت والصراعات والحروب أن المستهدف في النهاية هو الوطن كمفهوم حضاري ارتبط بجوهر الإنسان الذي تحدث عنه كاريل. ففي الوطن تتحقق شروط إنسانية الإنسان، وهذه الشروط نشأت عبر التطور الطويل الذي أهّل الإنسان لصناعة حضارات عظيمة فضلاً عن أداء الرسالة الكبرى التي حمّلته إياها الحياة!
مايجري الآن هو محاولة لكسر هذا المفهوم.. الوطن.
يراد للإنسان أن يتحول، ضمن مفهوم السوق العالمي، إلى سلعة. والسلعة في الحياة ليس لها وطن إلا حيث تستهلك، تمزق عنها أوراق التغليف البراقة وترمى بعيداً، ثم تجري عملية الاستهلاك!
هي عملية وحشية تعمل عليها نظرية (الفوضى في العالم)، ويلاحظ أن العاملين على هذه النظرية هم أصلاً ممن امتهنوا كرامة الإنسان طويلاً، وممن أفرغوا الإنسان من إنسانيته ووضعوه في آلة التشيّؤ الضخمة..
أصبح الإنسان ضحية آخر تطور من آليات الوحشية والهيمنة في العالم، واليوم يدفع العرب في أوطانهم ثمن تلك الوحشية، وكما نلاحظ، فإن الثمن كبير، لكن الثمن النهائي الذي يريدون من العرب دفعه هو: الوطن..
التحكم بمصيره، السيطرة على ثرواته، رسم حدوده،.. تمزيق تراثه وحضارته.. أي: يريدوننا بلا أوطان..
وعلينا أن نعي جيداً أن هذا يعني ببساطة أن أهم رد نقوم به هو الدفاع عن الوطن!