في هروبي إلى عالم الخيال

بينما كنت جالسة أفكر بالذي مضى، أسرح بعالمي المفعم برائحة الرطوبة وبقايا الطعام، انتقلت فجأة إلى جزيرة ظننت للحظة أني أعرفها، فتبين لي العكس. فهي جزيرة النسيان، عبرت فيها وأنا أنظر إلى أشجارها المتكسّرة اليابسة الأوراق، فوصلت إلى بحر الأحلام الذي اتسع فجأة فأصبح لا يرى أوله من آخره. فأبحرت فيه طويلاً حتى وصلت إلى جبال الخيال، فصعدت وصعدت حتى وصلت إلى القمة، فوقفت حينئذ ألهث دون تعب، وأنا مشغولة بالبحث عن الذاكرة المفقودة، وهي ذاكرة روحي. إلى أن وجدتها. وفجأة عدت إلى غرفتي وإلى عالمي الحقيقي، إلى كرسييّ الخشبي الذي أجلس عليه أكثر مما أجلس على سريري. ورجعت إلى قلمي ودفتري وأوراقي الممتلئة جميعاً، فنظرت إلى الورقة الأخيرة التي كنت سأختم بها، وإذ هي فارغة من الكلمات. وما كان فيها مجرد خطوط مختلفة القياسات لتشكّل لوحة جميلة تعبّر عن الكثير من الأشياء.

 فمثلاً كانت هنالك خطوط زرقاء مستديرة، كنت أرسمها بقلمي وأنا خارج هذا العالم في عالمي الخاص. فنظرت في هذه الخطوط، فتخيلت نفسي البحر الذي أبحرت فيه، ووجدت خطوطاً متكدسة عبّرت عن الجزيرة التي مشيت فيها، والجبال التي صعدت إليها. فحينئذ أصابني الذهول من هذه الحقيقة التي أدركتها: إنه الخيال الذي نعيش فيه لوهلة صغيرة من الزمن، فينسينا الحقيقة التي تسكن قلوبنا، وهي فقدان الأحبة. لنعود إلى عالمنا بسرعة، ننظر فندرك أنهم الأشخاص الذين لا نستطيع أن نتخلى عنهم أبداً، فنبقيهم في قلوبنا ونحفظهم في ذاكرتنا الأبدية.

 لكنني تعلمت من كل ما يجري وما يحدث لنا من ظروف صعبة ما زلنا نمرّ بها  على طول الأيام أن نبقى أقوياء ومحافظين على المرّ والحلاوة من الماضي، وعلى حلمنا بالمستقبل القادم، فلنا الشمس التي تنير الماضي والحاضر والمستقبل..

العدد 1136 - 18/12/2024