اجتماع حرب!
د. صياح فرحان عزام:
مؤخراً، اجتمع حلفاء أوكرانيا في قاعدة جوية أمريكية في رامشتاين في الغرب من ألمانيا، وممّا تسرّب من أنباء عنه، أنه جرى الاتفاق على ضخ عشرات المليارات إلى كييف، وتزويدها بالأسلحة وصواريخ الدفاع الجوي للاستمرار في الحرب ضد روسيا، وغابت عن الاجتماع أي دعوة إلى المفاوضات أو السعي إلى إنهاء هذا الصراع بشكل سلمي، لتفادي أي عواقب أو تداعيات خطيرة غير محسوبة.
وعلّق العديد من المراقبين السياسيين والعسكريين على الاجتماع بأنه كان (اجتماع حرب بامتياز)، وتصعيداً للهجة الصراع المحتدم، ليس لأن أوكرانيا تقترب من تحقيق النصر، بل لأن روسيا تتقدم وتسيطر على مزيد من الأراضي والمحاور والمدن الاستراتيجية، في حين أن التوغل الذي أعلنت عنه كييف في كورسك، تحوّل إلى مصيدة تتكبّد فيها القوات الأوكرانية خسائر جسيمة رغم ما تدّعيه من صمود، واستعداد لتوسيع نطاق سيطرتها، بينما مازال زيلينسكي يأمل ويتوسل الغرب وحلف الناتو للحصول على مزيد من الأسلحة لاسيما منها البعيدة المدى، وضوء أخضر يسمح له بضرب عمق الأراضي الروسية، غير مبالٍ ولا عابئٍ بتحذيرات موسكو، وبحرص أسياده على تجاهلها، وتدخّلهم المتزايد في هذه الحرب، بغضّ النظر عن النتائج.
لقد جاء انعقاد اجتماع حلفاء زيلينسكي في رامشتاين بعد يوم من إعلان الرئيس الروسي بوتين استعداده للتفاوض مع أوكرانيا بعد السيطرة التامة على دونباس، وبعد يومين من تحذير وزير الخارجية سيرغي لافروف للغرب وتحديداً للولايات المتحدة من المزاح بشأن الخطوط الحمراء الروسية، وسيبقى هذا الموقف تأكيداً على أن موسكو مضطرة إلى تعديل عقيدتها النووية بسبب بعض السلوكيات الأمريكية والأطلسية بالحرب في أوكرانيا.
ولهذه التحذيرات معناها الواضح بأن أيّ تهوّر قد يقود إلى ما لا يحمد عقباه، وفي هذه الحالة حدوث صدام مباشر بين روسيا ودول حلف الناتو وما قد يتبع ذلك من كوارث لا يمكن تخيلها ليس على أوربا وحدها، بل على العالم بأسره.
إذن لقاء رامشتاين كان اجتماع حرب بكل معنى الكلمة، فقد دعا وزير الحرب الأمريكي لويس أوستين الدول الغربية إلى زيادة المساعدات لأوكرانيا مع اقتراب فصل الشتاء، ليبدأ بعد هذه الدعوة المزاد، فتتعهد واشنطن بتقديم 250 مليون دولار، وحلف الناتو ينوي تخصيص 40 مليار يورو كمساعدات عسكرية مستمرة وطويلة الأمد، وأعلنت بريطانيا عن تزويد أوكرانيا بنحو 650 نظاماً صاروخياً، وقالت كندا إنها ستتبرع بـ80 ألف محرك للصواريخ غير الموجهة.
لاشك في أن هذه الحزم المليارية والترسانة الضخمة التي جرى الحديث عنها في اجتماع رامشتاين توحي بأن واشنطن وحلف الناتو ذاهبون إلى حرب كبرى، هذا في الظاهر، أما في الباطن فتعبّر عن حسرة مزمنة على تعذّر إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا، ولم تفلح المساعدات والقوائم الطويلة من العقوبات على موسكو في تمكين نظام زيلينسكي من استعادة ما فقده من أراضٍ في القرم ودونيتسك ولوغانسك، وربما سيفقد المزيد من الأراضي الأوكرانية، إذا استمر هذا الصراع من خلال مكابرة زيلينسكي وتنفيذه لأوامر أسياده في واشنطن ولندن، والخطر الأكبر هو إمكانية توسّع هذه الحرب.