حكومات سنوات الجمر
كتب رئيس التحرير:
رغم كل التصريحات.. والقرارات.. ومحاولات الترقيع هنا وهناك، أدرك المواطن السوري بحاسّته التي يُحسد عليها، أن الحكومات خلال سنوات الأزمة ومحاولة الغزو الارهابي، تحاول الطيران، لكنها لا تمتلك أجنحة.. والأجنحة هنا هي رؤية واضحة لطبيعة المرحلة، وأدوات مالية واقتصادية تمتلكها كلّ حكومة تتصدى لأزمة عميقة، كالتي تشهدها بلادنا. وهكذا غابت الحلول الناجعة، واقتصر دور تلك الحكومات على أمرين اثنين:
الأول هو معالجة الملفّات (اليومية)، كمحاولتها إيجاد المخارج من طوق الحصار الاقتصادي، وتأمين استمرار تدفق المواد الأساسية للغذاء واستمرار عمل القطاعات المنتجة، وهنا ظهر جليّاً تخبّط الحكومة في مسائل التمويل.. والقطع.. والمخالفات السكنية.. وتوزيع المازوت والغاز، وارتفاع الأسعار.
الثاني هو عدم المساس بجوهر السياسات الاقتصادية الجائرة التي أضرّت بالاقتصاد الوطني، وأفقرت الجماهير الشعبية، ووسعت الفوارق الطبقية، فتلك الحكومات لا تمتلك الأدوات التي تقف في مواجهة طغيان من يستوردون.. ويحتكرون.. ويتلاعبون، خاصة أن تشريعات سُنّت في العقد الذي مرّ قبل الأزمة تضيّق تدخل الحكومات في الحياة الاقتصادية، وتمنع قيادتها للاقتصاد الوطني، إضافة إلى تراجع الإيرادات العامة الذي شكّل ضغطاً شديداً على الحكومات، وهكذا دخلنا الفترة الصعبة على قاعدة تشريعية أساسها سيادة اقتصاد السوق، رغم أن الدستور الذي أُقرّ في عام 2012 نصّ على أن الاقتصاد السوري اقتصاد تعدّدي، ورحنا (نلعب) لعبة القط والفأر مع حيتان الأسواق والمضاربين والمحتكرين، كما في السياسات النقدية التي مارسها البنك المركزي لمعالجة تراجع قيمة الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، وعدم تدخل الدولة في تسعير المنتجات في وقت كان من الأجدى فيه أن نعلن اقتصاد الحرب والمجابهة، ونعلق تنفيذ جميع التشريعات التي تعيق صمود الاقتصاد السوري بقيادة الحكومة.. لا بقيادة السوق وأسياده.. وأثرياء الحرب (المعتاشين) من استمرارها والذين أكلوا الأخضر واليابس.
لقد استمرت السياسات المتحيزة لصالح الفئات الثرية، وبعض كبار التجار والسماسرة، إذ توهّمت بعض القيادات أن أصحاب الرساميل سيساعدون الحكومة في معالجة الأوضاع الاقتصادية، لكنهم فوجئوا بعمليات تهريب هذه الرساميل إلى الخارج، ولم تتخذ الحكومات القرار الصائب.. الصعب، لكنّه، لو اتُّخذ، لكان قادراً على تلبية متطلبات المرحلة الاستثنائية التي تمرّ بها بلادنا، إنه قرار تحويل الاقتصاد السوري إلى اقتصاد مقاوم، يجمّد جميع التشريعات التي تحد من تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية، ويسخّر الإمكانيات المتاحة بهدف تلبية متطلبات الصمود في وجه الاحتلال الصهيوني والأمريكي والتركي، ومن يخطط لتقسيم سورية، وتهديد وحدة وتلاحم شعبها. وإضافةً إلى عدم اتخاذها القرار المطلوب، لجأت الحكومات في هذه الظروف الصعبة إلى اختيار الحلول السهلة.. ذات المردود السريع، وهو ترك الأمور للسوق الحر، وكانت جماهير الشعب السوري ضحية هذا الاختيار.
رغم التصريحات الحكومية بدعم جماهير الشعب السوري في تصديها لقوى الإرهاب، ووعودها بتحسين الوضع المعيشي والاجتماعي للمواطنين السوريين، فقد لاح الضوء الأخضر لدفن السياسات الاجتماعية المحابية للفقراء، بدعوى تراجع إيرادات الخزينة، وعدم القدرة على تمويل الدعم الحكومي لأسعار المواد الأساسية، وجرى تضخيم حجم الدعم الحكومي، وهكذا صدرت قرارات تحرير الأسعار، ورفع معدلات الضرائب والرسوم غير المباشرة، وزيادة بدلات الخدمات الحكومية، إضافة إلى تراجعها، وخاصة في مجالات الصحة والتعليم والنقل العام، ورغم الزيادات المتكررة للأجور والرواتب، فإن هذه الزيادات كان يتبعها ارتفاعات لأسعار جميع السلع والخدمات، ويتحول بعدها المواطن السوري قسراً إلى خانة الفقر والفقر المدقع.
أما نحن في الحزب الشيوعي السوري الموحد فأعلنّا ونعلن: إن سورية التي تقاوم الاحتلال وبقايا الإرهاب، وشعبها الصابر الذي يدفع الثمن الأغلى، يحتاجان إلى حكومة مواجهة.. متدخلة، راعية لمصالح المواطنين، وداعمة للفئات الفقيرة، ومتحكمة بأدوات التأثير في الاقتصاد، تؤمّن لمواطنيها عوامل مواجهة الاحتلال واستعادة السيادة ووحدة الأرض والشعب.
نقول قولنا هذا ونحن بانتظار تشكيل الحكومة الجديدة، في مرحلة تتطلب رؤية صائبة لمتطلبات تحفيز القطاعات المنتجة من جانب، وتخليص المواطن السوري من معاناته المعيشية من جانب ثانٍ، وكبح الفساد والتعدي على المال العام من جانب ثالث، فالفساد، حسبما يُدرك كثيرون، وحسبما يؤكّد علماء الاقتصاد والباحثون والمختصون، سيجهض أيّ محاولة لخروج بلادنا من النفق.