عالم خيالي

د. أحمد ديركي:

عند بداية القرن الحالي، القرن الـ21، ضجّت الصحف وضج العالم معها مصورين إياه على أنه قرن العلوم، بجميع تفرعاتها الإنسانية والوضعية، وهذا أمر صحيح. فقد تطورت العلوم، وبخاصة الفيزياء والرياضيات والكيمياء وعلم الفلك، كثيراً منذ بدايات القرن الحالي ولغاية الآن. ومنها على سبيل المثال لا الحصر الوصول إلى سطح المريخ، في بدايات هذا القرن مع المركبة (curiosity) والهبوط عليه. بل وأكثر من هذا فقد استطاعت منذ فترة وجيزة مركبة فضائية، أكيد بلا رائد فضاء، من الهبوط على المريخ والطيران فوق سطحه لمسافة قصيرة. ويعتبر هذا الأمر من أعظم ما تم إنجازه علمياً في هذا القرن، لغاية الآن، لما يستلزم الطيران فوق سطح المريخ من تقنيات عالية جداً.

إضافة إلى هذا، جرى التقاط أول صورة للثقب الأسود، ما وسع أفق دراسته مضيفاً الكثير من المعلومات حول بداية نشوء الكون والنظريات المتعلقة بهذا الأمر. وقد نشرت الصور على (google) ليطلع عليها من يشاء وليس من الضروري أن يفهم أهمية هذا الحدث كلُّ مطلع.

كما يمثل القرن الـ21 بداية الانتقال من المحرك ذي الاحتراق الداخلي إلى المحرك الكهربائي. فكل متابع لمجريات الأحداث في عالم السيارات يمكنه تلمّس بداية الانتقال هذه، وقد بدأ الإنتاج التجاري لهذه السيارات التي تسير على محركات كهربائية. وأكثر ما ينتج حالياً المحركات الهجينة، أي سيارة بمحركين: محرك يعمل على الاحتراق الداخلي وآخر يعمل على الطاقة الكهربائية. وبدأت الشركات التجارية الكبرى في عالم السيارات بالمنافسة في هذا المجال للوصول إلى سيارة تعمل على الطاقة الكهربائية 100% للاستغناء عن المحركات ذات الاحتراق الداخلي، أي للاستغناء عن استخدام الوقود الأحفوري في وسائل النقل، وتحديداً في وسائل النقل التي تسير على الطرقات. بغض النظر عن مدى المنافسة ما بين سوقي السيارات هذه، محركات الاحتراق الداخلي ومحركات الطاقة الكهربائية، فالأولى ما زالت متسيدة الأسواق، ولكن المحركات الكهربائية بدأت بالدخول إلى سوق السيارات وبشكل منافس، ما دفع بالمحللين والخبراء المتخصصين بالشؤون النفطية بالحديث عن مستقبل النفط والبحث عما إذا كان عصر النفط الأحفوري بدأ بالهبوط! ولا يقتصر الأمر على وسائل النقل البري، بل لقد طال النقل الجوي، حيث أعلنت شركة رولزرويس، المتخصصة بمحركات الطائرات، عن بداية إنتاج محرك طائرات يعمل على الطاقة الكهربائية وما زال هذا المحرك قيد التجريب.

ومن جهة أخرى في بدايات القرن الـ21 بدأ الحديث عن نوع جديد من الذكاء ذكاء لا إنساني، الذكاء الاصطناعي (AI)، الذي يمكنه أن يحل مكان الإنسان. وكذلك الأمر يوجد ملايين من الأبحاث حول هذه المسألة، وهل يمكن للآلة أن تحل مكان الإنسان في سوق العمل؟ وإن كان هذا ممكناً فما مصير الإنسان؟ وقد دخل فعلاً الذكاء الاصطناعي في مجال الإنتاج بشكل مكثف، وبأ ينفي وجود بعض المهن التي كان يقوم بها الإنسان.

كما قد يكون أسطول سيارات القيادة الذاتية المستخدم في مطار نيويورك أحد أبرز بدايات دخول الذكاء الاصطناعي في مجال التنافسية مع عمل الإنسان، والأصح إزاحة الإنسان من سوق العمل. فمن خلال هذا الأسطول من السيارات الذاتية القيادة يمكنه أخذ تكسي من مطار نيويورك إلى أي مكان تريده، طبعاً كل ما عليك فعله الحجز مسبقاً من خلال هاتفك الذكي وتكون السيارة (الذكية) بانتظارك لتقلك إلى المكان الذي حجزته من دون أن تتفوه بكلمة واحدة. ومن دون أن تسمع كلمة واحدة من السائق لعدم وجوده أصلاً.

يا لهول التقدم الذي نعيش فيه! فكل ما ذكر جزء يسير من التطور العظيم الذي نعيشه بشكل يومي، فكل يوم لدينا خبر علمي جديد يضاف إلى ما سبقه. لكن لحظة لقد فاتنا خبر صغير ألا وهو أن كل هذا قائم على عالم الطاقة، وتحديداً الطاقة الكهربائية. فأين الكهرباء لنساهم في هذا العالم؟ لا كهرباء لا وجود لهذا العالم! وحتى مساهمتنا الاستهلاكية لها في حدودها الدنيا! ما من حاجة لقراءة كل المقال كي لا تظن أنه يتحدث عن منجزات عالم خيالي! فحالياً يكفي أن تتخيل أن إحدى لمبات المنزل تضيء!

العدد 1104 - 24/4/2024