حزب الضرورة
د. أحمد ديركي:
تكثر في هذه الأيام أحاديث بين بعض الرفاق وغير الرفاق حول مسألة جوهرية تتعلق بضرورة وجود حزب شيوعي في بلدان العالم العربي أو عدم ضرورة وجوده. والقاعدة الأساسية التي يعتمدون عليها، في هذه الأحاديث التي تدور حول هذه المسألة الجوهرية، مفادها أن العالم العربي لا يوجد فيه طبقة عاملة، وإن وجدت فهي اليوم لم تعد كما كانت في الأمس، فقد لحقها الكثير والكثير من التغيرات، وبهذا فلا تنطبق عليها توصيفات كارل ماركس أو فردريد انجلز أو من أتى بعدهم. وبهذا لم يعد هناك حاجة، أو ليس هناك من حاجة في الأصل، إلى وجود حزب شيوعي في العالم العربي.
فالعالم العربي لا يعرف الصناعات الضخمة، بمعنى وجود مصانع وعمال كما هو موجود في الدول الصناعية الكبرى في العالم، بل معظم عماله يعملون في قطاع (الخدمات) وهي قطاعات (لا صناعية)، إضافة إلى أن معظم عماله (نزحوا) من المناطق الريفية باتجاه المدينة، وما زال العديد منهم يملك قطعة أرض يعتاش منها إضافة إلى دخله في المدينة.
تدور الأحاديث حول هذه المسألة لساعات وساعات وتكثر التنظيرات والاختلافات في وجهات النظر، ولكن جميعها يتمحور حول المسألة الأساسية التالية: ما دام لا وجود لطبقة عاملة بالمفهوم الماركسي فلا ضرورة لوجود حزب شيوعي، وبعد الانتهاء من هذه النقطة، والحقيقة هي عدم انتهاء لأنه نقاش شفهي متنوع المواضيع، تُطرح مسألة البديل، أو البدائل، عن الحزب الشيوعي. أيضاً هنا تكثر التنظيرات فهناك من يدعو إلى تأسيس (بلاتفورم) وهناك من يدعو إلى التحول لمجموعات عمل ضمن المجتمع (الحر) وطروحات وطروحات.
يبدو أن جميعهم لم يقرأ الماركسية، أو بالحد الأدنى ماركس وإنجلز، وإن قرأها لم يفهمها وإن فهمها لا يدرك معانيها وإن أدرك معانيها لم يستوعبها.
قبل الدخول في مسألة وجود طبقة عاملة أو عدم وجودها، يجب الإجابة على ماهية طبيعة نمط الإنتاج القائم في العالم العربي. إذ طبيعة نمط الإنتاج هي المحددة لطبيعة الطبقات الموجودة فيه. فعلى سبيل المثال لا طبقة عاملة بالمفهوم الماركسي وغير الماركسي في نمط الإنتاج العبودي. من هنا يجب أولاً تحديد طبيعة نمط الإنتاج القائم في العالم العربي، ومن بعدها العمل على تحديد طبيعة القوى العاملة فيه.
لا يقع العالم العربي بكليته الجغرافية خارج الكرة الأرضية. وبهذا فهو مؤثر ومتأثر بمجريات أحداثها التاريخية، ومنه التاريخ الحديث. وهناك إجماع بين كل المفكرين الماركسيين والرأسماليين بأن نمط الإنتاج الرأسمالي، حالياً، يهيمن على كل البقع الجغرافية في العالم. وعند القول بهيمنة نمط الإنتاج الرأسمالي فلا يعني هذا أنه يوجد بشكل واحد في كل هذه البقع. بل هناك أشكال متعددة له، ولكن الجوهر واحد. لذا، في بعض الأحيان للتفسير، يحكى عن اقتصادات رأسمالية لا اقتصاد رأسمالي. فهذا النمط الإنتاجي نمط ديناميكي يتطور ويتأقلم وفق البقعة الجغرافية الموجود فيها. فعلى سبيل المثال نمط الإنتاج الرأسمالي في قطر يتمايز، ولا يختلف، عن نمط الإنتاج الرأسمالي في المغرب.
وما دام هناك نمط إنتاج رأسمالي مهيمن على العالم، فهذا يعني، ومن بديهيات الفكر سواء كان ماركسياً أو رأسمالياً، وجود طبقتين: طبقة عاملة وطبقة برجوازية، وصراع بينهما. ولأن هناك تمايزات في نمط الإنتاج فأيضاً من البديهي وجود تمايزات في طبقاته. ومن أبسط وأسهل تعاريف الطبقة العاملة والطبقة البرجوازية ما ورد في البيان الشيوعي، للتذكير كتبه كارل ماركس وفردريك إنجلز، وتحديداً في حاشية البيان يورد تعريف الطبقتين، فالطبقة العاملة لا تملك وسيلة الإنتاج والبرجوازية تملكها.
لان نمط الإنتاج الرأسمالي مهيمن على العالم، إلا إذا كان العالم العربي يقع جغرافياً خارج الكرة الأرضية، وبهذا لا يوجد اختلاف حول وجود الطبقة العاملة أينما وجدت، كما لا يوجد اختلاف حول الطبقة البرجوازية أينما وجدت، بل يوجد تمايزات فيما بينها. تمايزات تعتمد على مستوى تطور نمط الإنتاج هذا.
وما دام هناك طبقة عاملة وطبقة برجوازية، أي ما دام هناك نمط إنتاج رأسمالي، فهناك ضرورة وجود حزب شيوعي. فهل من حاجة لشرح ضرورته؟
لذا قبل الدخول في نقاش وجود طبقة عاملة أو عدم وجودها، يرجى بداية العودة إلى الأسس الفكرية في الفكر الماركسي ولمن لديه رعب من العودة إلى الماركسية، فليراجع الأدبيات الرأسمالية قبل أن يدخل بنقاش مواضيع كهذا.