تعب المشوار!

محمود هلال:

تتعقد حياة المواطن السوري يوما بعد يوم، وتتردى حياته المعيشية أكثر فأكثر نتيجة الارتفاع الجنوني للأسعار، حتى بات يخشى النوم لأنه أصبح ينام على سعر ويصحو على ارتفاعات جديدة بالأسعار، وهناك بعض السلع يرتفع سعرها باليوم الواحد مرتين.

وأبو الدراويش هذه الأيام هدّ الغلاء حيله وأثقل كاهله بالديون حتى تعب في مشواره الحياتي ووصل إلى الرمق الأخير. ولم يعد قادراً أن يتدبر أمره على البساطة، كما غنت الشحرورة صباح يوماً، ولم يعد باستطاعته أن يفطّر أولاده خبزاً وزيتوناً ويطعمهم بطاطا على الغداء أو العشاء.

كانت البطاطا تصنف الخبز الثاني وأكلة الفقراء، وأصبحت اليوم حلماً بالنسبة للكثيرين من أصحاب الدخل المحدود، وأصبحت أسعارها تتراوح بين 1700 إلى 2000 ليرة للكيلو غرام الواحد. فالأسرة المؤلفة من 5 أشخاص تحتاج إلى 2 كغ بطاطا يعني ما مقداره 4000 ل. س، فكم تكون التكلفة بعد طبخها أو قليها، بعد أن أصبحت أسعار الزيوت والسمون فلكية أيضاً، فليتر زيت القلي يتراوح سعره بين 8 و 9 آلاف، وكذلك سعر كيلو السمن النباتي الرخيص، نترك الحسابات لكم إذا أراد أن يضيف لها قليلاً من اللحمة أو الفروج.

لقد كان الراتب أيام زمان بضعة آلاف، وكانت أسعار المواد الغذائية وغيرها مقبولة نوعاً ما، إذ كانت أسعار البطاطا والبندورة رخيصة وتتراوح بين 10 ليرات و15 ليرة سورية للكيلو، فكان المواطن أبو العيال يمشّي حاله بأكلات بسيطة ويغنّي (عالبطاطا البطاطا).

لكن ما هو حال المواطن السوري في هذه السنين العصيبة، بعد عشر سنوات عجاف من الحرب والحصار؟ لقد أصبح الواقع أسوأ من قبل بكثير، إذ بات معظم السوريين يعانون من عدم كفاية مداخيلهم الشهرية، وذلك لتأمين الحاجات الأساسية، إذ يتراوح دخل المواطن الموظف في القطاع العام للدولة ما بين 70و80 ألف تقريباً، وفي القطاع الخاص يتراوح بين 100 150 ألف ليرة، ورغم الزيادات التي طرأت على الأجور الشهرية فالمواطنون يعيشون الهمّ اليومي ذاته، في البحث عن دخول جديدة لتوفير ما يغطي نفقات احتياجاتهم.

لقد تغيّر نمط حياة المواطن السوري بعد الحرب، وطرأت عليه تبدلات كثيرة، السلع التي كانت ثانوية أصبحت أساسية ولابد من توفيرها ، فكثير من الأسر أُجبرت على تغيير مكان سكنها، وتأمين السكن أصبح في مقدمة الحاجات للأسرة السورية، وأقل إيجار شقة أصبح 50 ألفاً، هذا في الريف أما في المدينة فحدث ولا حرج، كما أضافت الأزمة تكاليف جديدة على الغذاء والنقل والدواء واللباس، وباتت المصاريف اليومية لا تطاق ولا تحتمل، وحسب الدراسات فإن الموظف الذي راتبه 80000 ليرة، وعنده أسرة مكونة من خمسة أفراد أصبح تحت خط الفقر، ولكي يعيش حياة مماثلة كما كان عليه الأمر قبل عام 2010 يجب أن يكون راتبه الآن مليون ل.س، فأين نحن من هذا الرقم؟!

تبقى زيادة الرواتب والأجور، لتحسين الوضع المعيشي للمواطنين، هي الهم الأساسي، ولا بد للدولة أن يكون لها دور تدخلي واضح ومؤثّر في عمليات ضبط الأسواق ومنع الغش والاحتكار، وضبط سعر الصرف وحماية العملة الوطنية، في ظل الظروف الصعبة التي يواجهها اقتصادنا الوطني، والبحث عن السبل والحلول التي تعيد الأمن والاستقرار إلى كل المناطق وإلى كل المنشآت والمصانع، الأمر الذي يسهم في زيادة الناتج المحلي وتعويض النقص الحاصل في السلع الأساسية، وكذلك خلق فرص عمل جديدة توقف نزيف الهجرة لأبنائنا من كوادر وكفاءات من أطباء ومهندسين وعمال وشباب الذين يعتمد عليهم في بناء وطننا.

العدد 1104 - 24/4/2024